كان زهر الليمون المتساقط يحرك كوامن النفس بأريج رائحته الشديدة بينما زهر الزنزلخت
1
يرسل سلامه المعطر من على منبره العالي. أما الأقاح والأرجوان والمنثور فكانوا على مقربة من بعض كأنما هم خلان يتنادمون على بساط واحد.
الورد في هذه الحديقة فريد في لونه، مقطوع القرين في شكله! الأبيض منه ملتف برداء الطهر والعفاف، والمشرب بالحمرة يتبسم سرورا، والأصفر يتثنى دلالا، أما الأحمر القاني، ملك الأزهار وسيد الورود، فكان يضرم في أرجاء الحديقة نار العشق ولهيب الهيام.
كل الأزهار والرياحين تجل الوردة الحمراء وتقدسها وكل منها تفاخر بوجودها، حتى الشجيرات الملتفة حولها كانت تضمها إلى نفسها بلهفة واشتياق لتستمد منها البهجة والبهاء، أما زهر العسل والياسمين - أصفره وأبيضه - فيظهران الإجلال لسيدة الورود بالضحايا التي يسردانها أمام مليكتهم بين حين وآخر.
على بعد من هذه الجماعة، بالقرب من الغدير الصافي، كنت ترى الزنابق وزهر السمسم تستعرض محاسنها على صفحة تلك المرآة، بينما كنت ترى الغليسين
2
تهتز دلالا بعناقيدها وزهرة الثالوث مطرقة بسيماها اللطيف. وكانت أنوار اللجين الآخذة في الظهور على مهل من خلال غصون النخيل تزيد بهاء الأشجار وغصونها، وتكسب الحديقة معنى شعريا جميلا. أما أرواح العشاق الذين هبطوا الأرض في هذه الليلة فقد أيقظوا العالم بحفيف أجنحتهم الغير منظورة وجعلوا الحديقة منتدى عشق وهيام. «جبارس»، مارس سنة 1911
السلطان الغوري
في القاهرة شوارع ضيقة، كثيرة المنعرجات والمنعطفات لم تزل محافظة على غرابتها القديمة وميزتها القومية العتيقة حتى يومنا هذا رغم تطاول السنين والأيام عليها.
Unknown page