قالت: «نعم أشد وطأة منها أن يكون ذلك الكهل الوقح وليا للعهد بعد أخي - حفظه الله.»
فأظهرت أنها لم تفهم مرادها فاستفهمتها فأوضحت لها شروطه التي تقدم بيانها ثم قالت: «ولنفرض قدرة ذلك الشريف الكاذب على قتل صلاح الدين فإن صيرورة ولاية العهد إليه بدل ابن أخي أصعب عندي من البقاء في حوزة صلاح الدين.»
فقالت ياقوتة وهي تظهر الاهتمام: «لا أرى رأيك في ذلك يا سيدتي، بل أعد سعي أبي الحسن هذا بابا للفرج؛ لأنه إذا لم يستطع قتل صلاح الدين لا ينال شيئا. وإن استطاع فإن ولاية العهد لا تصير إليه؛ لأن مولانا أمير المؤمنين شاب في مقتبل العمر، أطال الله بقاءه. ومن يعلم المستقبل؟»
فلم تعد سيدة الملك تصبر على سماع هذا العذر، فنهضت فجأة ونهضت معها ياقوتة وهي تنتظر ما تقوله فإذا هي تقول: «ولكنه يشترط أيضا شرطا آخر، الموت أهون علي من قبوله.»
وكانت ياقوتة تعلم برغبة أبي الحسن فيها، فأظهرت أنها فهمت مرادها فقالت: «إنك تكرهين هذا الرجل كرها شديدا بلا سبب، اصبري يا سيدتي حتى أتم كلامي. إذا نظرنا في مطالبه وشروطه لا نجد ما يبعث على هذا القلق. إن الرجل من أبناء عمك ويعرض أن يقتل أعدى عدو لنا وينقذ هذه الدولة من الخطر الذي لم يقدر عليه أحد سواه، فإذا فاز صار وليا للعهد وتزوج بأخت الخليفة ولا أظنك تستنكفين أن تكوني زوجة رجل أنقذ الدولة، وهو مع ذلك شريف النسب، تبصري فيما أقول.» قالت ذلك وأكبت عليها وجعلت تقبلها وتضمها للتخفيف عنها.
فحولت سيدة الملك وجهها عنها نحو ستارة معلقة على الحائط عليها صور عربية وأظهرت أنها تتأملها ولكنها لم تكن ترى شيئا لفرط اضطرابها وغضبها. وظلت ساكتة فظنتها ياقوتة تستسيغ رأيها فعادت إلى الموضوع وأحاطت عنق سيدتها بذراعها وهي تقول: «لا تتعجلي يا سيدتي برأيك، فكري في الأمر مليا، إن عليه يتوقف بقاء هذه الدولة وفضلا عن ذلك فإنك لا تجدين من أبناء عمك من يستطيع هذا العمل، فلا باعث على النفور منه.»
فقطعت سيدة الملك كلامها وتحولت نحوها وقد بان الغضب في عينيها وقالت: «تقولين لا باعث على هذا النفور؟»
قالت: «نعم أقول ذلك؛ لأني لا أرى باعثا. وإلا قولي ما يبعثك على رفضه؟»
قالت: «يبعثني على ذلك أني لا أطيق أن أرى هذا المنافق. إذا رأيته ارتعدت فرائصي من رؤيته. تبا له كأن عينيه من نوافذ جهنم! إذا نظر إلي خيل لي أن الشيطان يطل من حدقتيه ويهم بأن يأخذ بتلابيبي، دعيني لا أقدر أن أتصوره!»
فهزت ياقوتة رأسها هزة الإنكار وقالت: «يا للعجب إنك تكرهين هذا الرجل عفوا. أظنك تظلمينه. لم أر منه ما يبعث على شيء من ذلك!»
Unknown page