قال: «أتذكر الرسالة التي جئتني بها من القاهرة والسيدة التي خاطبتك وذكرت لي إعجابك بلطفها وكمالها؟»
قال بدهشة: «سيدة الملك، أخت الخليفة؟»
قال: «نعم، سيدة الملك. اختطفها هذا الخائن على يد بعض الفدائيين أصحابنا، وجاء بها إلى هنا تحت العذاب الشديد، وقدر لي أن أنقذها.» فقال: «هذه الراكبة على البغلة سيدة الملك؟»
قال: «نعم، هل تريد أن تراها؟»
قال: «كيف لا ... ولكن تمهل قليلا ريثما نصل إلى مكان ننزل فيه عند الفجر. إذ لا بد من الراحة.»
قال: «هل أنت ذاهب معنا إلى مصر؟»
قال: «إذا كنتم تقبلونني.»
فأسرع في الجواب بلهفة قائلا: «إن ذلك يكون من حسن طالعي. كم أحب أن تكون معي فنعيش معا لعلي أقدر على مكافأتك، وسأخبر السلطان صلاح الدين بما كان من فضلك في إتمام هذه المهمة، وهي بشرى رابعة أزفها إليه. ولكن كيف تركت طائفة الإسماعيلية بعد أن صرت من كبار رجالها وصارت لك هذه الدالة على رئيسها العجيب الغريب. إني لا أنسى ما شاهدته من المدهشات في هذين اليومين.» فتنهد وقال: «لو لم أرتق إلى درجة المستنيرين لم يخطر ببالي أن أعتزل هذه الطائفة. ألم تنتبه إلى تغيري بعد هذا الارتقاء، لو بقيت فدائيا لظللت مشتاقا إلى الارتقاء والاطلاع على الأسرار. فلما اطلعت عليها رأيتني كنت مغشوشا وندمت على دخولي.»
فقال: «يا للعجب! لماذا لم يفعل ذلك الذين ترقوا إلى مثل هذه الدرجة قبلك؟»
قال: «لأنهم يرون في بقائهم ما يسد مطامعهم من الملذات وأسباب السعادة البدنية. لا يهمهم أن يتم لهم ذلك بتضحية الشبان الشجعان والفدائيين أمثالك. أما أنا فلا أحب هذه العيشة بما فيها من الغدر.»
Unknown page