Sajinat Tihran
سجينة طهران: قصة نجاة امرأة داخل أحد السجون الإيرانية
Genres
قال أرام وهو ينفجر ضحكا: «قلت لك إنها غريبة الأطوار إلى حد ما.»
قرأت الترجمة فور عودتي إلى المنزل. كانت تقع في نحو أربعين صفحة، ومكتوبة بخط أنيق، وخالية من الأخطاء اللغوية. لو لم أكن أعلم مسبقا أن الفارسية ليست لغتها الأولى في الكتابة، لما تخيلت ذلك مطلقا.
في سن الثامنة عشرة أحبت جدتي - زينا موراتوفا - فتى وسيما في الثالثة والعشرين من عمره يدعى أندريه، كان شيوعيا ذا شعر أشقر وعينين زرقاوين واسعتين. توسلت إليه زينا ألا يخرج في المظاهرات والاحتجاجات ضد القيصر، ولكنه لم ينصت إليها. لقد أراد أن يرى روسيا أعظم مما هي عليه وأن يختفي الفقر. كتبت زينا أن أفكاره كانت جميلة ولكنها مستحيلة، وكان ساذجا. بدأت الذهاب معه في المظاهرات كي تحميه، وأثناء إحدى المظاهرات أمر الجنود المتظاهرين بالرحيل، ولكن أحدا لم يستمع إليهم، ففتح الجنود النار عليهم.
كتبت زينا:
أخذ الناس يفرون، واستدرت فوجدته ممددا على الأرض ينزف، فضممته بين ذراعي حتى مات. أشفق الجنود علي، وتركوني أحمله إلى أمه، فسحبت جثته عبر شوارع موسكو، وتطوع بعض الشباب كي يساعدوني، وحملوه نيابة عني. سرت خلفهم أشاهد دماءه تتقطر على الأرض. جافاني النوم الهادئ بعد ذلك اليوم، وما زلت أستيقظ لأجد دماءه على فراشي.
قابلت زينا زوجها المستقبلي - جدي عيسى - بعدها ببضعة أشهر. كان شابا طيبا يعمل صائغا، ولم تدر متى أو كيف وقعت في حبه، وسرعان ما عرض عليها الزواج ووافقت، وبالفعل تزوجا وأنجبا طفلة أطلقت عليها اسم تامارا. بعدها بقليل أجبرا على مغادرة روسيا والمجيء إلى إيران. كان الأمر شاقا على زينا لأنها كانت حبلى في طفلها الثاني؛ أبي. عندما وصلوا إيران ذهبوا أولا إلى مدينة «مشهد » حيث ولد أبي، ثم انتقلوا إلى مدينة «رشت» حيث كان لعيسى بعض الأقارب. لم تدم إقامتهم في «رشت»، وانتقلوا إلى طهران التي كانت تختلف تماما عن موسكو، وهو ما جعل زينا تشعر بالحنين إلى الوطن. كانت تفتقد أهلها وأصدقاءها، لكنها لم تهتم بذلك كثيرا لأنها كانت تنعم بالسعادة مع عيسى، ولكن سعادتها لم تدم طويلا، فقد غادر عيسى المنزل ذات صباح ولم يعد؛ قتله بعض اللصوص طمعا في المجوهرات التي كان ينوي بيعها كي يشتري منزلا.
بعدها أصبحت حياة زينا صعبة، وشعرت بالوحدة والحنين للعودة إلى روسيا، لكنها كانت قد فقدت كل شيء، حيث دمر منزلها ونمط حياتها بفعل ثورة متعطشة للدماء. لم تجد مكانا تأوي إليه، وراودها شعور بأنها ستظل غريبة إلى الأبد.
أنشأت زينا نزلا، وعملت فيه باجتهاد. مرت الأعوام وكبر أبناؤها، فتزوجت تامارا رجلا روسيا وعادت معه إلى روسيا، ثم قابلت زينا بيتر، وهو مجري كان يقيم في النزل الذي تمتلكه، فساعدها وظل برفقتها. وبعد اندلاع الحرب العالمية الثانية عرض عليها الزواج ووافقت، ولكنهما لم يحظيا بالفرصة قط، فقد انقسمت الدول في الحرب واتخذت المجر جانب هتلر، وأصبح كل المجريين الذين يعيشون في إيران أسرى حرب، وأرسلوا إلى معتقلات خاصة بالهند، وتوفي بيتر هناك إثر إصابته بمرض معد.
سالت دموعي عندما انتهيت من قراءة الترجمة، وأدركت كم كانت جدتي حزينة بائسة وحيدة. لقد دمرت الثورات حياتي وحياتها، وكلا الثورتين الشيوعية والإسلامية أسفرتا عن نظام دكتاتوري مريع. بدت حياتي كأنها نسخة مشوهة من حياتها. كل ما تمنيت أن يكون مستقبلي أفضل. وعلي أن أتذكر أنها كافحت من أجل البقاء، وهو ما سأفعله أيضا. •••
وفي مساء الأربعاء التالي ذهبت لتدريب الجوقة، فابتسم لي أندريه من موقعه أمام الأرغن، بينما وقفت بجوار سيدة ذات صوت ساحر. وبعد انتهاء التدريب تقدم أندريه نحوي، وكان يرتدي سروالا من الجينز الأزرق وقميصا عاديا، فتمنيت لو أني ارتديت ثيابا أكثر أناقة؛ فمع أن الحجاب أصبح إلزاميا وعدم ارتدائه قد يسفر عن الجلد والسجن، كان باستطاعة النساء ارتداء ما يشأن من ملابس تحت الحجاب؛ فعند ذهابي إلى الكنيسة أو لزيارة الأصدقاء أو الأقارب، كنت أخلع الحجاب لدى وصولي.
Unknown page