تناولت دورقا من شراب السانجريا من الثلاجة ووضعته على الصينية، مع كأسين من نفس الطاقم. «هل تحبين هذا؟ جيد. سنجلس ونحتسي الشراب معا في الشرفة.»
كانت مارجوت ترتدي سروالا قصيرا أخضر مزخرفا بالزهور وبلوزة تتماشى معه. كانت أرجلها سميكة وعليها آثار عروق منتفخة، كان ثمة تجويفات في لحم عضديها، وكان جلدها لونه بني، تتناثر عليه الشامات، خشنا من كثرة التعرض للشمس. سألت في مرح: «كيف لا تزالين نحيفة؟» مررت أصابعها في شعر أنيتا. «كيف لم يبيض شعرك؟ هل تستخدمين أي عقاقير؟ تبدين جميلة.» قالت هذا في غير حسد، كما لو كانت تتحدث إلى شخص أصغر منها، غير مجرب، غير متمرس.
كان يبدو أن كل عنايتها، كل خيلائها، انصب على المنزل. •••
نشأت مارجوت وأنيتا في مزارع في آشفيلد تاونشيب. كانت أنيتا تعيش في منزل من الطوب معرض باستمرار لتيارات الهواء، منزل لم يتجدد ورق الحائط أو مشمع الأرض فيه لمدة عشرين عاما، لكن كان هناك موقد في الردهة يمكن أن يضاء، وكانت تجلس هناك في سلام وراحة لأداء واجباتها المدرسية. كانت مارجوت تؤدي واجباتها المدرسية عادة جالسة في السرير الذي كانت تتشاركه مع أختين صغيرتين. كانت أنيتا نادرا ما تذهب إلى منزل مارجوت، بسبب الزحام والفوضى، والطبع المريع لوالد مارجوت. في إحدى المرات، ذهبت هناك عندما كانوا يستعدون لبيع البط في السوق. كان الريش متناثرا في كل مكان. كان ثمة ريش في دورق اللبن، وكانت ثمة رائحة مريعة لريش يحترق في الموقد. كانت الدماء موجودة في صورة برك صغيرة على مشمع المائدة، وكانت تتساقط على الأرض.
كانت مارجوت نادرا ما تذهب إلى بيت أنيتا؛ لأنها - دون أن تقول ذلك صراحة - لم تكن أم أنيتا توافق على صداقتهما. عندما كانت أم أنيتا تنظر إلى مارجوت، كانت تأتي إلى ذهنها أشياء سيئة؛ الدماء والريش، أنابيب الموقد التي تمر خلال سقف المطبخ، ووالد مارجوت وهو يصرخ قائلا إنه سيبرح مؤخرة أحدهم ضربا.
لكنهما كانتا تلتقيان كل صباح، تسيران في صعوبة في الثلوج التي كانت تهب من بحيرة هورون، أو تسيران بأكبر سرعة ممكنة في عالم ما قبل الفجر من الحقول البيضاء، المستنقعات الثلجية، السماء الوردية، والنجوم الآفلة والبرد القارس. بعيدا فيما وراء الثلوج على البحيرة، كانتا تريان شريطا من المياه، أزرق بلون الحبر أو بلون بيض طائر أبي الحناء الأمريكي، وذلك وفق شدة الضوء. كانتا تحملان إزاء صدريهما الكراسات، والكتب المدرسية، وكراسات الواجبات المنزلية. كانتا ترتديان الجونلات، والبلوزات، والسترات، التي كانتا قد اشترتاها بصعوبة بالغة (في حالة مارجوت، كان ذلك من خلال الحيلة والشجار)، وكانتا تحافظان على هندمة تلك الملابس ببذل جهد كبير. كانت تلك الملابس تحمل شعار مدرسة والي الثانوية، حيث كانتا تذهبان، وكانتا تحييان كل منهما الأخرى في ارتياح. كانتا تستيقظان في الظلام في غرفات باردة ذات نوافذ بيضتها الثلوج، وترتديان ملابس داخلية تحت ملابس النوم، بينما كان غطاء الموقد يصدر أصوات فرقعة في المطبخ، وكان منظم الموقد مغلقا، ويركض الأشقاء والشقيقات الأصغر سنا لارتداء ملابسهم في عجلة بالأسفل. كانت مارجوت وأمها تتبادلان الأدوار في الخروج إلى الإسطبل لحلب الأبقار وتقليب التبن. كان الأب يعاملهم معاملة قاسية، وكانت مارجوت تقول إنها كانت تعتقد أن أباها مريض إذا لم يضرب أحدهم قبل الإفطار. تعتبر أنيتا نفسها محظوظة؛ حيث إن لديها إخوة يتولون أعمال الإسطبل ووالدا لا يضرب عادة أحدا. لكنها كانت لا تزال تشعر - في صباح تلك الأيام - كما لو كانت تخوض في مياه داكنة عميقة.
كانتا تقولان إحداهما للأخرى، وهما تتصارعان في اتجاه المتجر على الطريق السريع، والذي هو عبارة عن ملاذ متهالك: «أتفكرين في تناول بعض القهوة؟» كان الشاي القوي، الأسود المنقوع على الطريقة الريفية، هو المشروب المفضل في كلا المنزلين.
كانت تيريسا جولت تفتح المتجر قبل الساعة الثامنة، حتى تدخلهما. عند التصاقهما بالباب، كانتا تريان أضواء الفلوريسنت نحوهما، الأنوار الزرقاء تندفع من أطراف الصمامات المفرغة، ترتعش، ثم تتوقف، ثم تشع بضوء أبيض. كانت تيريسا تأتي باسمة كمضيفة، تحوم حول ماكينة الدفع النقدي، مرتدية حلة حمراء مبطنة من الستان، ضيقة عند الرقبة، كما لو كان ذلك سيحميها من الهواء المتجمد عندما فتحت الباب. كان حاجباها سوداوين على هيئة جناحين مخطوطين بالقلم، وكانت تستخدم قلما آخر - أحمر - لرسم فمها. كانت الانحناءة في الشفة العليا تبدو وكأنها مقصوصة بمقص.
يا لها من راحة، ويا له من حبور، حينئذ، أن يدخلا هناك، إلى الضوء، يشما رائحة السخان الزيتي ويضعا الكتب على الطاولة ويخرجا أيديهما من القفازات ويحكانهما من الألم. ثم، كانتا تنحنيان وتحكان أرجلهما؛ الجزء العاري الصغير منه الذي كان نملا ويكاد يتجمد. لم تكونا ترتديان جوارب طويلة؛ لأن ذلك لم يكن موضة في تلك الأيام. كانتا ترتديان جوارب قصيرة تغطي الكاحل فقط داخل أحذيتهما طويلة العنق (كانتا تتركان أحذيتهما الخفيضة في المدرسة). كانت جونلاتهما طويلة - كان ذلك شتاء 1948-1949 - لكن كان هناك جزء من الأرجل غير مغطى. كانت بعض الفتيات الريفيات يرتدين الجوارب الطويلة تحت جواربهن القصيرة. كانت بعضهن يرتدين بنطال تزلج مرفوعا في غير أناقة تحت جونلاتهن. لم تكن مارجوت أو أنيتا لتفعلا ذلك قط. كانتا ستخاطران بالتجمد بدلا من السخرية منهما لارتداء مثل هذه البدع الريفية.
كانت تيريسا تحضر لهما أقداحا من القهوة، قهوة سوداء ساخنة، مسكرة جدا، وقوية. كانت تتعجب من شجاعتهما. كانت تلمس بأصبعها خدودهما أو أيديهما وتطلق صرخة وترتعد. «مثل الثلج! مثل الثلج!» بالنسبة إليها، كان من المثير للدهشة أن يخرج أحد في الشتاء الكندي، فضلا عن السير ميلا كاملا في شتاء كهذا. كان ما تفعلانه يوميا للذهاب إلى المدرسة يجعلهما تبدوان في عينها كبطلتين وغريبتين، وشاذتين بعض الشيء.
Unknown page