رأت انعكاس مايلز - انعكاسه وهو معتمر خوذة ويوقف دراجته البخارية إلى جانب الرصيف - قبل أن تراه. كانت تعتقد أنها لمحت الصورة الجانبية لوجهه الجسور، وشحوبه، شعره الأحمر المغبر (خلع خوذته ونفض شعره قبل الدخول إلى المتجر)، ومشيته السريعة المتسكعة الوقحة الغازية، حتى عبر الزجاج.
لم يكن غريبا أنه سرعان ما بدأ في التحدث إليها، شأنه شأن الآخرين. أخبرها أنه غواص، وأنه كان يبحث عن حطام السفن، والطائرات المفقودة، والجثث. وأخبرها أن زوجين ثريين في فيكتوريا استعانا بخدماته إذ كانا يخططان للقيام برحلة بحرية للبحث عن كنز، كانا يعدان لها آنذاك. كان اسماهما ووجهة البحث سرية. كانت عملية البحث عن الكنوز عملا مجنونا، وكان قد قام به من قبل. كان منزله في سياتل، حيث كانت زوجته وابنته الصغيرة.
كل ما قاله لها كان كذبا على الأرجح.
أراها صورا في كتب - صورا فوتوغرافية ورسومات، لكائنات رخوية، وقنديل البحر، وحيوان رجل الحرب البرتغالي، وطحالب السرجس، والسمكة الطائرة الكاريبية، وحزام فينوس. وأخبرها أي الصور دقيق، وأيها مزيف. ثم غادر دون أن يعيرها أي اهتمام، بل إنه انسل من المتجر بينما كانت منشغلة مع أحد العملاء، دون بادرة وداع. إلا أنه جاء في أمسية أخرى، وحكى لها عن رجل غارق محشور في قمرة أحد القوارب، ينظر من النافذة المبللة في اهتمام. من خلال انتباهه لها وتجنبه إياها، ومحاداثاته غير الشخصية عن كثب، ومن خلال نظراته الغافلة المتجولة المتجهمة المطولة من عينيه الرماديتين، سرعان ما جعل جورجيا في حالة مضطربة وإن لم تكن مزعجة. لم يظهر ليلتين متتاليتين، ثم جاء وسألها - فجأة - إذا كانت ترغب في أن يوصلها إلى المنزل على دراجته البخارية.
وافقت جورجيا، فهي لم تكن قد ركبت دراجة بخارية في حياتها. كانت سيارتها في ساحة الانتظار، وكانت تعرف ما هو مقدر أن يحدث.
أخبرته أين تعيش. قالت: «على بعد بضعة مربعات سكنية من الشاطئ.» «لنذهب إلى الشاطئ إذن. لنذهب ونجلس على جذوع الأشجار.»
كان ذلك هو ما فعلاه. جلسا لفترة على جذوع الأشجار. ثم تضاجعا، على الرغم من أن الشاطئ لم يكن مظلما تماما أو خاليا تماما، مستترين بأجمات مزهرة لم تكن ملاذا مثاليا. ثم سارت جورجيا إلى المنزل شاعرة بأنها امرأة أكثر قوة وخفة - غير واقعة في الحب على الإطلاق - وأنها أثيرة لدى الكون.
قالت لجليسة الأطفال - وهي جدة كانت تسكن في الشارع الذي تعيش فيه: «تعطلت سيارتي ... وسرت الطريق كله إلى المنزل. كانت التمشية رائعة، رائعة حقا. استمتعت بها كثيرا.»
كان شعرها أشعث، وشفتاها متورمتين، وملابسها مليئة بالرمال. •••
امتلأت حياتها بمثل هذه الأكاذيب. كانت توقف سيارتها إلى جانب شواطئ قصية، في طرق الغابات القريبة جدا من المدينة، أو على الطرق الخلفية الملتوية في شبه جزيرة سانيش. كانت توجد خريطة فوق خريطة المدينة التي كانت تضعها في رأسها حتى الآن - بطرقها المؤدية إلى المتاجر والعمل ومنازل الأصدقاء - خريطة أخرى بطرق ملتفة تسلكها في خوف (لا خزي) وإثارة، خريطة فيها مآوي واهية، وأماكن اختباء مؤقتة؛ حيث كانت هي ومايلز يتضاجعان، وكان ذلك في كثير من الأحيان على مقربة من حركة المرور أو من جماعة من المتنزهين سيرا على الأقدام أو من رحلة عائلية. وصارت جورجيا نفسها - التي كانت تراقب أطفالها في الميدان، أو تتحسس الشكل الرائع لليمونة في يدها في السوبر ماركت - تحوي امرأة أخرى، كانت قبل ساعات قليلة تتأوه وتتقلب على نباتات السرخس أو على الرمال أو على الأرض العارية، أو - أثناء العواصف المطرية - في سيارتها؛ امرأة طار صوابها بعنف وروعة وانجرفت بعيدا، ثم لملمت شتات نفسها وعادت إلى بيتها مجددا. هل كان هذا أمرا مالوفا؟ ألقت جورجيا نظرة على النساء الأخريات في السوبر ماركت. كانت تبحث عن علامات؛ كالنظرات الحالمة أو التباهي أو لمسة إثارة في طريقة ملبس امرأة، أو إيقاع خاص في حركاتها.
Unknown page