68

Sabi Fi Wajh Qamr

الصبي في وجه القمر: رحلة استكشاف أب لحياة ابنه المعاق

Genres

بدت لي الجينات واختصاراتها المعقدة (يتعلق معظمها بتركيبها الكيميائي) مثل كواكب مكتشفة حديثا، محيرة وغريبة مثل علم الوراثة ذاته، ولكن لم تواجهني أي مشكلة في فهم روين حين أوضحت ما تعتقده فيما يتعلق بالمشكلة التي توجد في ووكر. كانت ساعة العشاء تقترب، وكان لون الغروب الرائع خارج نوافذ مكتبها يغطي سان فرانسيسكو.

يبلغ طول تتابع أربعة أزواج من النيوكليوتيدات التي عند اتحادها وإعادة اتحادها تكون جينات الإنسان؛ ثلاثة مليارات من أزواج القواعد، ويمثل كل نيوكليوتيد حرفا. قالت روين مشيرة إلى ما يسبب متلازمة القلب والوجه والجلد: «إن تلك الطفرة هي تغير في حرف واحد في الجين كله. نعم، حرف واحد في الجين كله، والذي يغير حمضا أمينيا واحدا! حمض أميني واحد، مكون صغير من البروتين كله. هذا ما يسبب متلازمة القلب والوجه والجلد.» وهذا بدوره سبب المشكلات الكبيرة التي كان يعاني منها ووكر في حياته.

سألتها: «هل يعرف أي أحد لماذا يتغير الحرف؟»

ردت: «يحدث تناسخ للحمض النووي. واضح؟ يحدث هذا التناسخ، ولكن ليس بدقة عالية جدا، فإذا حدث التناسخ دون أي خطأ، فسنبدو كلنا بنفس الطريقة. واضح؟ والشيء السار وغير السار في نفس الوقت هو أنه إذا حدث خطأ، فإن هذا يتم مرة كل مليون مرة. واحد من كل مليون زوج قاعدة يحدث فيه خطأ. والآن، تحاول كل أنواع البروتينات والإنزيمات والمواد الأخرى إيجاد هذا الخطأ وإصلاحه؛ لذا هناك كثير من الأخطاء التي لا تعرفها، ولكن أحيانا لا يتم تصحيح الخطأ، وحين لا يصحح الخطأ، فإنه يسبب تغيرا في البروتين؛ وقد يجعل سلوك البروتين هذا النظام المناعي أفضل، وقد يقوي عضلاتنا، وقد تكون له آثار مفيدة تسمى التطور. كما تعلم، البقاء للأصلح. ولكن قد يحدث لك أيضا تغيرا في الجينات يؤدي إلى تأثير ضار، حيث يمكن أن يسبب ثقبا في القلب، يضعف جهازك المناعي. قد يكون له تأثير نافع، وقد يكون له تأثير ضار.»

شكرت كيت روين بعد ذلك بوقت قصير وغادرت مكتبها، وعبرت الشارع خارج المبنى، وجلست على مقعد أفكر فيما قالت. التعريف العلمي للنجاح التطوري، للطفرة العشوائية الناجحة، هو ما يسمح للكائن أن يعيش ويتكاثر. الطبيعة وحدها ما كانت لتسمح لابني بالبقاء على قيد الحياة.

بناء على تقدير عالمة الوراثة، يعتبر ووكر نتاج «التأثير الضار» للطبيعة.

لكن ابني ليس نتاج الطبيعة وحدها؛ فقد ظل على قيد الحياة، وكان بقاؤه أيضا نتاج التكنولوجيا الطبية والاهتمام البشري؛ نتيجة للتغذية عن طريق الأنابيب والأدوية والاهتمام المستمر لفرق من البشر اقتنعوا بأن تفاعلهم معه يستحق جهده وجهودهم، حتى لو كانت نتائج هذا الأمر يصعب قياسها. ولم يكن ووكر مدعاة كبيرة للتفاخر، من الناحية العقلية أو البدنية، ولكن مثل كثير من الأطفال المصابين بمتلازمة القلب والوجه والجلد، فقد غير حياة بشر آخرين، غير حياتي أكثر من أي أحد آخر؛ فقد عمقها ووسعها ، وجعلني أكثر تسامحا وتحملا، وائتمانا من الناحية الأخلاقية، ومنحني نظرة أشمل للحياة. بدا هذا كأنه شكل من أشكال التطور أيضا، تطور أخلاقي إيجابي، بالرغم من أنه ليس من النوعية التي يمكن أن يقيسها علم الجينوم الحديث.

ثم نظرت إلى أعلى واكتشفت أني أجلس أمام عمل نحتي في الشارع، يسمى «بغض النظر عن التاريخ» نحته نحات إنجليزي اسمه بيل وودرو. كان نحتا مصنوعا من البرونز يبلغ ارتفاعه سبع أقدام، وهو عبارة عن شجرة رفيعة، تالفة وبلا أوراق، وغير مكتملة النمو، وتنمو من صخرة! ولكنها تنمو. ***

ركبت الطائرة عائدا إلى تورونتو. أصبح الصيف خريفا، وبدأت من جديد محاولتنا للبحث عن فهم أفضل لحالة ووكر.

في صباح يوم أربعاء من شهر أكتوبر، قابلت تينا كاساباكس، مديرة دار الرعاية التي يعيش فيها ووكر، في عيادة الوراثة لمستشفى الأطفال المرضى بتورونتو، وكان ووكر هناك أيضا. تشغل عيادة الوراثة ركنا في الدور الخامس لمبنى في وسط تورونتو. ومن الواجهة، كان المبنى يبدو مثل إصبع أحمر شفاه كبير، وكان في السابق المقر الرئيسي لبنك سويسري. أومأ إلي برأسه موظف الأمن الجالس إلى مكتب في المدخل وكأنه يحييني بتحية الصباح. لا بد أنه رأى الكثير من أمثالي. ثم ركبت المصعد حتى الدور الخامس ومشيت في الردهة إلى عيادة الوراثة وجلست في نفس غرفة الانتظار النظيفة تماما التي اضطررت للانتظار فيها منذ ما يقرب من 12 عاما، حين شخصت حالة ووكر بإصابته بمتلازمة القلب والوجه والجلد. وصلت مبكرا، قبل تينا وووكر، وكان علي الانتظار، كما فعلت حينها، حتى يصل شخص ما إلى المكتب الأمامي، ولم يكن لدي مانع في ذلك؛ فأنا كنت أحب الهدوء المريح للعيادة قبل الساعة التاسعة صباحا. تنهدت وتنفست مرة أخرى، الهواء الساكن بلا رائحة للممرات الخاوية، في ظل الوهم العابر المعتاد بأننا الوحيدون الذين أتينا إلى هنا، كسلالة نادرة ضلت طريقها في عالم نقي، أو عالم لا توجد به طفرات. (في عيادة الوراثة يوجد فاصل زمني معقول بين المواعيد لضمان الحد الأدنى من التفاعل مع الحالات الصعبة.)

Unknown page