من عند الجيران، وقبل أن يعود أخي. ارتدينا ملابسنا، ومشطت شعرها أمام مرآة الحمام، وقالت إن أخي يريدها أن تقصه لكنها تفضله طويلا هكذا. وتناولت حقيبتها. أطفأنا الأنوار واتجهنا في الظلام إلى الباب. سألتني: ألا يحتمل أن يعود
رمزي
الآن؟ قلت إنه لن يعود قبل ساعة أخرى. فتحت الباب فأغلقته بكتفها واستدارت إلي قائلة: قبلني. قبلتها وغادرنا الشقة. أغلقت الباب خلفي وهبطنا السلم، وعند باب المنزل تقدمتها إلى الخارج بعد أن أشرت إليها بالانتظار، وخرجت إلى الشارع فتلفت حولي. كان خاليا من المارة. دققت النظر في الأركان المظلمة، ثم سرت إلى نهايته وانتظرتها حتى لحقت بي. قالت: أخشى أن يقابلنا صديقك. وانكمشت على نفسها عندما اقتربت منا سيارة وسقطت أنوارها الأمامية علينا. ناديت تاكسيا وقلت إني سألحق بها بعد قليل. انتظرت حتى ابتعدت السيارة فاتجهت إلى شارع المطار. كان خاليا تماما إلا من السيارات التي انتحت جانبيه وقد أظلمت أنوارها، بينما ظلت محركاتها دائرة. سرت طويلا وكان الهواء قد بدأ يميل إلى البرودة، وكنت ألمح برج المطار بعيدا أمامي والكشاف الدوار في أعلاه. ظللت أسير حتى شعرت بالتعب، فاستدرت عائدا وسرت إلى أقرب محطة أوتوبيس وركبت إلى منزل أخي.
الفصل السادس
استيقظت
فجأة على صوت دوي بالخارج. رفعت يدي لأرى ساعتي، وكانت التاسعة والنصف. بقيت ممددا أتطلع إلى ضوء الشمس من النافذة، وتكرر صوت الدوي، وكان أشبه بصوت القنابل، فغادرت الفراش. سمعت جرس التليفون فانطلقت إلى الصالة ورفعت السماعة. كانت زوجة أخي، قالت: ألم تسمع بعد؟ بدأت الحرب. وقالت إنها تتكلم من الشركة وستغادرها بعد قليل عائدة إلى المنزل. قلت إني سأذهب إلى الجريدة وسأكلمها من هناك. بحثت عن الراديو الترانزستور ووجدته على فراش
نهاد . أدرته فسمعت المذيع يقول إننا نسقط طائرات العدو، وأعقبته موسيقى حماسية، ثم بيان عن بدء العمليات الحربية ضدنا. أغلقت الراديو وعدت إلى الصالة وبحثت عن صحف اليوم فوجدتها في المطبخ، وكانت العناوين الرئيسية تعلن عن تدهور الموقف واقتراب ساعة الصفر. ذهبت إلى الحمام فحلقت ذقني وغسلت وجهي وأسناني، ثم عدت إلى المطبخ فشربت كوبا من اللبن وأنا أقرأ الصحف، وأخرجت بيضتين من الثلاجة وضعتهما في إناء على النار. انتظرت حتى غلت المياه جيدا فحملت الإناء إلى الحوض وفتحت عليه الصنبور، ثم تناولت البيضتين وكسرتهما. وجلست إلى المائدة وأمسكت بالصحف وقلبتها، وجعلت أقرأ أنباء الصفحات الأخيرة وأنا آكل البيض بعد أن أغمسه كل مرة بالملح. ثم ذهبت إلى الحمام فغسلت يدي وعدت فصنعت فنجانا من القهوة احتسيته مع السيجارة، وذهبت مرة أخرى إلى الحمام. ثم دخلت حجرتي وأدرت الترانزستور فسمعت بيانا عن إسقاط المزيد من الطائرات. أغلقت الترانزستور، وارتديت قميصا وبنطلونا وغادرت الشقة. كان هناك زحام أمام البقال، وفي كل مكان كان الناس يتجمعون حول أجهزة الراديو وهم يصفقون بحماس. مشيت طويلا أبحث عن سيارة تاكسي؛ فلم تكن هناك سيارات أوتوبيس، وعربات المترو متوقفة وبها بعض الركاب ينتظرون، وكان الجميع يسيرون. وجدت سيارة حملتني إلى الجريدة، ووجدت أمامها كميات من أكياس الرمال. صعدت إلى مكتبي، وجدته مكتظا وقد أحضر أحدهم راديو وضعه وسط الصالة وأداره بأعلى صوت، وكان الجميع يسألون عن آخر الأخبار. جلست أقرأ ما تقوله الوكالات الأجنبية. ودق التليفون، سألتني زوجة أخي عن آخر الأخبار، فقلت إني وصلت لتوي، وإني سأتصل بها عندما يجد جديد. أوشكت أن تضع السماعة فسألتها عن موعد عودة أخي، قالت إنها لا تعرف بالضبط، وإنه تكلم وقال إنه سيعود مبكرا. عدت أقرأ الأخبار، وكانت الوكالات تردد ما نذيعه عن إسقاط الطائرات الإسرائيلية. ودق جرس التليفون، سألتني
إنصاف
عن الأخبار فطمأنتها، ثم اتصل بي أخي وسألته من أين يتكلم؟ قال: من المنزل. سألني عن آخر الأخبار وهل صحيح ما نذيعه؟ قلت: أجل. وضعت السماعة فدق التليفون من جديد. وجدتها
عفاف ، قالت إنها لم ترني من زمن، وإنه لا يوجد أحد بمنزلها الآن وبوسعي أن أذهب إليها. قلت لها إن هذا مستحيل؛ لأني أعمل، ولأن المواصلات مقطوعة. قالت: الأخبار جيدة أليس كذلك؟ قلت: أجل رائعة. وجاء
Unknown page