Rum
الروم: في سياستهم، وحضارتهم، ودينهم، وثقافتهم، وصلاتهم بالعرب
Genres
وفي الثاني والعشرين من آب سنة 636 انقض عليهم بفرسانه المجربين فقتل من قتل وشرد من شرد، وبذلك انقطع كل إمكان للروم بأن يصمدوا في سورية.
وفي خريف هذه السنة نفسها عاد العرب إلى دمشق فدخلوها آمنين، وكان الخليفة أعلم الناس بخالد، يقدر مواهبه ويعرف مواضع ضعفه، وكانت الحرب قد تطورت تطورا كبيرا في مصلحة العرب الفاتحين ولكن إدارة البلدان المفتوحة كانت لا تزال ضعيفة تفتقر إلى التنظيم، وكانت ثمة مشاكل إدارية وسياسية، ولم يكن خالد رجل إدارة وسياسة، فرأى عمر أن لا بد من وجود وال أعلى يمثل الخليفة في الشام ويدير سياستها بحكمة ولباقة، فانتقى لهذا المنصب أبا عبيدة وأرسله إلى الشام حاكما مفوضا، ووصل أبو عبيدة قبيل موقعة اليرموق ولكنه أبقى القيادة بيد خالد؛ لأنه كان أعلم منه بتفاصيل الحرب وأقدر عليها، فلما انتهت المعركة تسلم أبو عبيدة مقاليد الأمور فوزع السلطات العسكرية بحكمة ودراية واحتفظ بخالد ملحقا به، واتجه شمالا ولم يلق مقاومة تذكر قبل قنسرين «خلقيس»، فدخل بعلبك وحمص وحلب وأنطاكية بسهولة.
26
عودة الروم إلى الميدان
وقضى هرقل سنة مستجما بعيدا عن ميدان القتال، وكانت الجزيرة بين العراق والشام لا تزال خاضعة للروم، فراسلت قبائلها العربية النصرانية هرقل تطلب منه العون على مهاجمة العرب المسلمين، فراسلها بدوره، وحضها على التجمع ريثما تتلقى مددا يأتيها بحرا من مصر، وأقبل هرقل يعد الجيوش مرة أخرى، وجدد الأمل بنوع خاص لأن معظم ثغور الشام على البحر كانت لا تزال خاضعة له وطريق البحر لا يزال مفتوحا أمامه، وفي السنة 638 أبحرت جيوش الروم من الإسكندرية بقيادة قسطنطين بن هرقل، وألقت الحملة مرساها في اللاذقية أو السويدية وزحفت على أنطاكية فاستولت عليها وانضمت إلى القبائل العربية النصرانية في الجزيرة،
27
وألفى أبو عبيدة نفسه محصورا في حمص، على حين يسير أعداؤه لمحاربته برا وبحرا، فكتب إلى الخليفة في الحجاز يستنجده كما عقد مؤتمرا عسكريا للتشاور في الوضع الحربي، فاستقر الرأي على التزام التريث والدفاع، ولكن خالدا قال بالمبادرة إلى مهاجمة العدو. وأمر الخليفة في الوقت نفسه القعقاع - أحد قادة المسلمين في العراق - أن يتوجه بأسرع ما يمكن لإمداد أبي عبيدة، وجمع الخليفة النجدات من الجزيرة العربية، وسار بنفسه على رأسها متجها نحو الشام.
وكانت خطة المسلمين - فيما يظهر - ترمي إلى إخراج القبائل العربية النصرانية في الجزيرة من دائرة الدفاع البيزنطي، وبذلك يتيسر للعرب المسلمين أن يلاقوا الجيش البيزنطي وحده معزولا، فانطلق سهيل بن علي وعبد الله بن عتبان للقيام بحركة التفاف حول أراضي الجزيرة بين العراق والشام ومهاجمة قبائلها، وكان لتعجيل المسلمين في إرسال النجدات وسرعة حركاتهم أثر في إلقاء الرعب في نفوس القبائل في الجزيرة، فتخلت هذه القبائل عن الروم وقفلت راجعة إلى مضاربها مؤثرة السلامة،
28
وبادر العرب المسلمون بالهجوم على الروم، فأظهر هؤلاء بأسا كان كفيلا بصد المسلمين العرب لو ظلت القبائل النصرانية على تعضيدهم ومساعدتهم، ولكن مقاومة الروم انهارت، وانسحبوا بحرا إلى الإسكندرية والقسطنيطينية.
Unknown page