غيره، ما أمن أحد على إيمان يسلبه عند الموت إلا يسلبه.
وقال أبو العالية: أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله ﷺ كلهم يخاف النفاق على نفسه. وقال الصديق ﵁: إن الله ذكر أهل الجنة، فذكرهم بأحسن أعمالهم وغفر لهم سيئها، فيقول الرجل: أين أنا من هؤلاء؟ ! يعني: وهو منهم، وذكر أهل النار بأقبح أعمالهم وأحبط حسنها، فيقول القائل: لست من هؤلاء، يعني: وهو منهم. هذا الكلام أو قريبًا منه.
فليبرد القلب من وهج حرارة هذه الشهادة، إنها سَبِيل مَهْيع [أي: طريق بَيِّن. انظر: القاموس، مادة: هيع] لعباد الله، الذين أطبق شهداء الله في أرضه أنهم كانوا من الله بالمكانة العالية، مع أن الازدياد من مثل هذه الشهادة هو النافع في الأمر الغالب ما لم يفض إلى تسخط للمقدور، أو يأس من روح الله، أو فتور عن الرجاء، والله تعالى يتولاكم بولاية منه، ولا يكلكم إلى أحد غيره.
وأما ما ذكرت من طلب الأسباب الأربعة، التي لابد فيها من صرف الكلام من حقيقته إلى مجازه، فأنا أذكر ملخص الكلام الذي جرى بيني وبين بعض الناس في ذلك، وهو ما حكيته لك وطلبته، وكان إن شاء الله له ولغيره به منفعة على ما في الحكاية من زيادة ونقص وتغيير.
قال لي بعض الناس: إذا أردنا أن نسلك طريق سبيل السلامة والسكوت، وهي الطريقة التي تصلح عليها السلامة، قلنا كما قال الشافعي ﵁: آمنت بالله وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنت برسول الله وما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله ﷺ، وإذا سلكنا سبيل البحث والتحقيق، فإن الحق مذهب من يتأول آيات الصفات وأحاديث الصفات من المتكلمين.
فقلت له: أما ما قاله الشافعي، فإنه حق يجب علي كل مسلم أن يعتقده، ومن اعتقده ولم يأت بقول يناقضه، فإنه سالك سبيل السلامة في الدنيا والآخرة، وأما إذا بحث الإنسان وفحص، وجد ما يقوله المتكلمون من التأويل الذي يخالفون به أهل الحديث كله باطلًا، وتيقن أن الحق مع أهل الحديث ظاهرًا وباطنًا.
فاستعظم ذلك وقال: أتحب لأهل الحديث أن يتناظروا في هذا؟ فتواعدنا يومًا، فكان فيما تفاوضنا: أن أمهات المسائل التي خالف فيها متأخرو المتكلمين ممن ينتحل مذهب الأشعري لأهل الحديث
1 / 3