171

Rihlati

رحلاتي في العالم

Genres

أبتلع اللعاب المر، الحرية في بلادي غائبة، والعدل أيضا غائب في الوطن الأم وفي الأمم المتحدة. •••

في الأمم المتحدة ترتفع مكانة الرجال البيض من العالم الأول، يليهم في المكانة النساء البيض من أوروبا وأمريكا، ثم يأتي بعد ذلك الرجال الملونون من آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، وفي القاع ترقد النساء من العالم الثالث.

نظام هرمي منذ عصور الفراعنة، والعصر اليوناني العبودي، حين فرض على الإنسان قوانين الفلك والنجوم؛ فالعبد يدور في فلك السيد بمثل ما تدور الأرض في فلك الشمس، والمحكوم يدور في فلك الحاكم، والابن يدور في فلك الأب، والمرأة تدور في فلك الرجل، والدولة تدور في فلك الإمبراطورية الكبيرة.

والولايات المتحدة في الأمم المتحدة إمبراطورية كبيرة يدور في فلكها دول صغيرة، وحين تثور بعض الدول على العبودية تهدد الولايات المتحدة بالانسحاب من الأمم المتحدة، ومن منظمة العمل الدولية هددت أمريكا بالانسحاب ذلك العام؛ لأن منظمة العمل الدولية بدأت تراجع قوانين العمل العبودية، وأمام التهديدات بات الموظفون بالمنظمة مؤرقين مهددين بالفصل؛ فالولايات المتحدة تدفع للمنظمة حصة كبيرة، وجزء منها رواتب الموظفين، واعتذرت منظمة العمل الدولية عما بدر من بعض الدول الصغيرة، أو من خبراء العالم الثالث ، وباركت القوانين القديمة الموروثة، وعلى رأسها القانون الفيزيائي العتيد من حيث حركة الأفلاك والأجرام، ودوران الجرم الصغير في فلك الجرم الكبير، كما يدور الإلكترون داخل الذرة حول النواة، ويدور الإنسان حول الإله.

ويدور منشور في الأمم المتحدة يؤكد هذا القانون، وهو ليس مجرد قانون، ولكنه نظام ودين، والأمم المتحدة تؤمن بالدين، وتؤمن بوجود الإله، وإذا اختلفت أسماء الإله من بلد إلى بلد إلا أنه موجود، والولايات المتحدة على رأس الدول في الأمم المتحدة التي تؤكد وجود الإله، وتنفق الأموال الطائلة حتى لا يغيب هذا الوجود.

كانت منشورات الأمم المتحدة تلصق على أبواب المكاتب بالدبابيس، وكل يوم منشور جديد، وجاءنا منشور يحذر الخبراء من نزول الشوارع في أديس أبابا وأن نلصق على بيوتنا ختم الأمم المتحدة.

ولم ألصق على بيتي الختم، وأنزل لأمشي في الشوارع، في كل الشوارع كنت أمشي، وفي الأسواق والأزقة، قامتي طويلة نحيفة كقامة الأحباش، وبشرتي سمراء بلون بشرتهم، لا أشعر بينهم بالغربة، والطفل الشحاذ على ناصية الشارع ملامحه تشبه ملامح طفلي، والفتاة الصغيرة الواقفة أمام الكشك تشبه ابنتي الصغيرة.

أطفال في سن العاشرة يهربون من الآباء والأمهات في القرى، يهربون من الجوع، بقايا الجوع المزمن القديم منذ هيلاسلاسي، والجوع في الحبشة أشد من الجوع في الهند، يقتل في الإنسان الإحساس بالابن أو الابنة، يسحق في قلب الأم الأمومة، ويقتل في الأب الأبوة، ويهرب الأطفال في عتمة الليل من تعذيب الأب والأم، يصبح الطفل الذكر شحاذا أو ماسح أحذية، وتصبح الطفلة البنت مومسا.

وفي قبائل الحبشة تختلف القيم، قد تقتل البنت إذا مارست البغاء، وفي قبائل أخرى يقدسون البغي، وتحصل المومسات الثريات على سلطة سياسية.

في قبيلة جوجوم «أمهارا» تحتل المرأة مكانة اجتماعية عالية، وتملك الأرض وترث كالرجل تماما، وتحتفظ المرأة بعد الزواج باسمها ولا تحمل اسم زوجها، وأملاك الأسرة تقسم على الزوجين بالتساوي لا فرق بين الزوج والزوجة، ولا يجري للبنات في هذه القبائل عملية الختان أو عملية خلع الأظافر، بعكس قبيلة «جوراجي»، وفيها لا تملك المرأة ولا ترث ، والبنت لا بد أن تتزوج قبل أن يدركها الحيض، وإذا أدركها الحيض قبل أن تتزوج يعلقونها من شعرها في شجرة، وقبل الزواج بثلاثة شهور يمسكون البنت الصغيرة وهي مستغرقة في النوم، أربع نساء كل واحدة تمسك يدا أو قدما، وامرأة خامسة تمسك الرأس، يضعون أصابع يديها وقدميها في وعاء به زبدة ثم يخلعون الأظافر العشرين من الجذور، وهي تصرخ وتنزف ومن حولها يرقص الأهل والأقارب، ويأتي الجيران بالهدايا كل يوم حتى تشفى البنت من جروحها بعد أسبوع أو أكثر، قبل الزواج بثلاثة أيام تشرب البنت شربة مثل زيت الخروع لتنظيف الأمعاء، ثم يفرض عليها الصيام عن الأكل أربعة أيام، في يوم الزفاف تغطى البنت تماما من الرأس إلى القدم ثم تحمل على فرس أو حمار إلى بيت العريس، حيث تجلس وحدها في غرفة ويطلقون عليها اسما جديدا، وفي منتصف الليل تماما يدخل عليها العريس ويغتصبها بعنف، على باب الغرفة يقف أهل البنت ينتظرون في قلق علامة العذرية، قطرات الدم الأحمر فوق منديل العريس، وتدق الطبول والمزامير، لكن إذا خرج المنديل نظيفا أبيض كان الله في عون البنت، قد تقتل وقد تعذب حتى الموت، كثير من البنات يهربن قبل الزواج إلى أديس أبابا، وكثيرات يهربن ليلة الزفاف قبل دخول العريس، وإذا اختفت الزوجة يقولون إن الضبع أخذها وأخفاها في ظلمة الليل، ولا بد أن يدفع أهل الزوجة فدية على شكل عجل صغير، يقدم للضبع من أجل أن يرد الزوجة إليهم، وحين يعثرون على البنت الهاربة في الجبال يجدونها فاقدة الوعي، لا تنطق ولا تسمع ولا تتعرف على أحد، يأخذونها إلى بيت شيخ القبيلة لتعيش كشحاذة حتى يأذنوا لها بالعودة إلى بيت أهلها، وتحظى بمعاملة أفضل من البنات، يترددون في ضربها أو تعذيبها خشية عقاب القوى فوق الطبيعة.

Unknown page