Rihla Fi Zaman Nuba
رحلة في زمان النوبة: دراسة للنوبة القديمة ومؤشرات التنمية المستقبلية
Genres
يبدو أن النوبة كانت منقسمة إلى تجمعات متعددة، قليلة العدد، ويرأس كلا منها زعيم منذ حضارة جرزا، ويبدو أيضا أن النوبة تعرضت لغزو من الشمال في وقت الحضارة السمانية، لكن الأمور عادت إلى التفرق جماعات منفصلة فيما بعد. وبوجه عام، فإن السكان كانوا متشابهين حضاريا وسلاليا مع السكان الذين كانوا يعمرون بقية الوادي في مصر من أسوان حتى إدفو أو أرمنت، ولم يكن سكان النوبة آنذاك ممنوعين من دخول مصر، بل ربما كان بعضهم يتولى وظائف مرموقة في مصر، وهناك بعض الفروق بين النوبة ومصر في شكل المقابر التي كانت مستديرة وبيضاوية في النوبة، وفي شكل منتجات الفخار، ولم تصل الكتابة إلى النوبة في تلك الفترة باستثناء رسم بعض الرموز السحرية على الفخار، وبخاصة صقر حورس.
الحقبة الحضارية (ب) (B) :
بدأ تسرب الزنوج في النوبة تدريجيا، والحضارة عامة أفقر من حضارة (أ)، وتختلف في طريقة الدفن وشكل المقبرة التي كان يستعمل فيها ألواح حجرية على الجانبين، وكان الميت يدفن ورأسه إلى الشمال أو الغرب ملفوفا في جدائل من الحصير أو الجلود. الفخار قليل الظهور وهو من نوع سميك أحمر رديء الصنع، ويبدو أن النوبة في تلك الفترة كانت تقع بين شد الشمال المتقدم تقنيا - زراعة وكتابة وديانة عليا - وبين الشعوب الجنوبية المتأخرة حضارة واقتصادا، وفي خلال الحقبتين (أ) و(ب) كانت الحياة الاقتصادية تقوم على رعي الحيوان على النباتات النامية على ضفاف النهر وسهله الفيضي، وصيد الأسماك، ومن ثم لم تكن أعداد السكان المتناثرين في أرجاء النوبة كثيرة؛ إذ تدل الجبانات التي تعود لتلك الفترة على هذه القلة السكانية، فالهياكل البشرية الموجودة في الجبانة الواحدة لا تزيد عن نحو مائة هيكل في طبقات تاريخية متعاقبة، مما قد يستدل منه على استمرار السكن في نفس المكان لعدة أجيال.
ويرى بعض الباحثين أن التجارة كانت قائمة مع أمراء دويلات الصعيد في تلك الفترة، وخاصة نحاس بوهن - قرب حلفا - ومنتجات مدارية من عاج وأخشاب، مما ساعد على قيام مراكز تجارية نوبية، وظهور طبقة من الحكام النوبيين نتيجة الثروة الناجمة عن التجارة مع مصر الموحدة. وقد وجد في مقبرة زعيم في سيالة عصي الحكم المصرية مطعمة بالذهب، ربما كانت هدية مقابل خدمات أداها هذا الحاكم المحلي لمصر، كما وجدت بيوت من الحجر حسنة البناء في قرية عافية، ربما كانت سكنا لأحد هؤلاء الزعماء في تلك الفترة، ولا شك في أن عدد السكان قد زاد، بحيث إن حملة الملك زوسر قد عادت وهي تحمل معها بضعة آلاف من سكان النوبة إلى مصر؛ لتقليل الثورات وإقرار الأمن، ولكن ربما كان في ذلك أثر سيئ على الأنشطة الاقتصادية في النوبة كما يقول بعض الباحثين.
حضارة المجموعة (ج) (C) :
على الأغلب ظهرت بعد انهيار الدولة القديمة في مصر، وهناك آراء أنها ظهرت بعد الأسرة السادسة نتيجة استقرار تدريجي لسكان الصحاري المجاورة التي بدأت تأخذ في الجفاف. وعلى أية حال، فإن هذه الحضارة تحتوي على عناصر يمكن إرجاعها إلى مؤثرات ليبية من قبائل الصحراء الغربية، وكانت الصحراء قليلة السكان في نهاية العصر الحجري القديم، ثم سكنت بأعداد معقولة خلال العصر النيوليتي - الحجري الحديث - لتحسن الظروف المناخية بعض الشيء، ولكن المناخ تدهور حوالي 2200ق.م؛ مما أدى إلى الهجرة صوب وادي النيل والواحات المصرية، وبقايا هذه الحضارة منتشرة بكثرة في النوبة السفلى واستمرت خلال عهد الدولة الوسطى المصرية، وتنتمي حضارة كرما - في النوبة السودانية الآن - إلى مجموعة (ج) وقد عمل فيها الأستاذ رايزنر حفائر كثيرة، لكن المعلومات ناقصة ومبهمة. ونتيجة لانتشار الأمان والسلام الذي أسفرت عنه الحملات المصرية، وإقامة قلاع وحصون في فيلة وبيجة وكوبان والدكة ومعام (عنيبة) وفرس وبوهن (قرب وادي حلفا) وسمنة شرق وغرب وأورونارتي وكرما (التي أسميت حائط امنمحعت العادل)؛ فإن المجتمع النوبي زادت أعداد سكانه وازدهرت حياته. ويدل على ذلك وجود جبانات كثيرة ومصنوعات معدنية مصرية، وكذلك تنوع أشكال الفخار وأحجامه وألوانه وكثرة وجوده؛ مما يدل على وجود مجتمع مستقر كبير العدد نسبيا.
والأغلب أن الزراعة كانت تمارس، وبخاصة أعلاف الحيوان الذي كان ركنا أساسيا في الإنتاج النوبي، واستمر لفترات طويلة كذلك، وكانت الحصون المصرية عبارة عن أسوار عالية - نحو تسعة أمتار - وخندق حولها، وثكنة عسكرية ومساكن للضباط والجنود وموظفي الضرائب والإدارة وأسرهم، فضلا عن مساكن لإيواء التجار المقيمين والمسافرين، وبالقرب من السور الخارجي كانت توجد حلة للأهالي الذين يتعاملون مع أهل الحصن ومع التجار، وجبانة لدفن الموتى، وباختصار كانت تلك القلاع مراكز عسكرية تجارية إدارية ومصادر إشعاع حضاري، وتوضح مدى تقدم الفنون الحربية المصرية،
2
ولم تكن مهمة هذه الحصون تأمين الحياة والملاحة فقط، بل تأمين الطرق البرية الممتدة بحذاء النهر، أو تخرج منه في اتجاه الدروب الصحراوية في الغرب والشرق.
الحضارة (د) (D) :
Unknown page