جاءت اللحظة الحاسمة في مشوار شانيل المهني عام 1931، حين تعرفت على منتج الأفلام الأمريكي صامويل جولدوين (الذي اقترن اسمه بشركة مترو جولدوين ماير الشهيرة) في مونت كارلو، وقدم لشانيل فرصة العمر؛ ففي مقابل مليون دولار، كان جولدوين سيصطحبها إلى هوليوود لتصميم أزياء جميع نجوم الأفلام العظيمة في ذلك الوقت، وبالطبع، قبلت العرض.
مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، أغلقت شانيل جميع متاجرها، وفي النهاية أعادت تأسيس دار أزياء خاصة بها. وواصلت العمل حتى العاشر من يناير 1971 حين توفيت أثناء نومها عن عمر ناهز السابعة والثمانين، وذلك بعد فترة قصيرة من انتهائها من مجموعة أزياء موسم الربيع.
واستمرت أسطورتها حتى اليوم بفضل إدارة مصمم الأزياء الألماني كارل لاجرفيلد لدار أزياء شانيل، الذي واصل مسيرتها من بعدها. وتناولت عدة أفلام ومسلسلات تلفزيونية وعروض موسيقية على مسارح برودواي حياة كوكو شانيل وألفت كتب كثيرة عنها، من بينها كتاب ملهم جدا للأطفال بعنوان «مختلفة مثل كوكو»، الذي كان من تأليف ورسومات إليزابيث ماثيوس. وسيذكر التاريخ اسم شانيل باعتبارها امرأة عاشت حياة مستقلة، بشروطها الخاصة، وبطريقة رأتها مناسبة لها. كانت شانيل مصممة أزياء رائدة، وامرأة جعلها فكرها العصري، وتصميماتها المستلهمة من ملابس الرجال، وسعيها لنشر الملابس الكلاسيكية البسيطة الباهظة؛ شخصية محورية في عالم الموضة بالقرن العشرين. وقد كانت مصممة الأزياء الوحيدة التي أدرج اسمها في قائمة مجلة تايم لأهم 100 شخصية في القرن.
الموضة يخبو بريقها بمرور الوقت، أما الأناقة فباقية إلى الأبد.
كوكو شانيل (3-8) إيلسا سكياباريلي
ولدت إيلسا سكياباريلي (1890-1973) لعائلة ثرية، وشعرت أن نشأتها المترفة قمعت طاقتها الإبداعية؛ ولذا، انتقلت إلى نيويورك ثم إلى باريس لتكتشف هناك إعجابها بالموضة والفن. وفي باريس، بدأت تصمم ملابسها الخاصة، وحثها صديقها المقرب، المصمم بول بواريه، لتبدأ مشروعها الخاص؛ وهو ما فعلته وحقق نجاحا محدودا آنذاك. وبعد مرور عام، طرحت مجموعة أزياء جديدة لمنسوجات يدوية ذات رسومات جرافيك، وانطلاقا من هذا الأساس، ابتكرت بعد ذلك ملابس تزلج وثياب سباحة وفساتين. كما أنها ابتكرت تنورة شورت لإحدى لاعبات التنس ببطولة ويمبلدون. وفي أوائل ثلاثينيات القرن العشرين، أضافت مجموعة ملابس السهرة.
وفي عام 1940، عادت سكياباريلي إلى نيويورك وظلت هناك حتى نهاية الحرب. وفور عودتها إلى باريس، لم يعد عملها كما كان في السابق أبدا؛ حيث إنها لم تتمكن من إضافات التعديلات اللازمة على مجموعتها وتغييرها؛ لتتواكب مع تغير الزمن؛ ومن ثم، أغلقت مشروعها عام 1954، وتوفيت عام 1973 بعد أن كتبت سيرتها الذاتية وتقاعدت، وكان لها منزلان بباريس وتونس.
اشتهرت سكياباريلي باستخدامها المبتكر للمطبوعات المصورة المذهلة، ولم تكن أول مصممة تستخدم السحابات وحسب؛ بل وصبغتها لتتناسب مع لون الملابس. وكانت تركز بشدة على لوازم التزيين الفخمة والمزخرفة ذات الأشكال غير المألوفة؛ كالنحل مثلا. وكذلك ابتكرت البنطلونات الواسعة القصيرة، والتربونات الملفوفة، والقمصان المطرزة، والقبعات المزينة بكرة من الفرو، والأحزمة الجلدية المزودة بالفراء، والأحذية النسائية ذات الكعب العالي العريض، وقطع الملابس غير الرسمية المتعددة الاستخدامات. وامتدت طريقة تفكيرها الحديث لتشمل عروض الأزياء الخاصة بها التي ربطت فيها بين الموسيقى وفكرة كل مجموعة من مجموعات أزياء الموسم التي تقدمها.
فوق كل ذلك، كان الفن الحديث والمعاصر والسريالية مصدر إلهام لسكياباريلي؛ ومن ثم تعاونت مع عدة فنانين، من بينهم الفنان جان كوكتو، لكن تعاونها مع الفنان سلفادور دالي أسفر عن إنتاج أهم تصميماتها. واشتملت هذه التصميمات على فستان الكركند (وهو عبارة عن فستان من الحرير الأبيض بحزام عريض قرمزي اللون وصورة كركند كبيرة مطبوعة يدويا)، وفستان الدموع (وهو عبارة عن فستان سهرة أزرق فاتح مرسوم عليه الدموع بتقنية الخداع البصري، ومزود بطرحة من نفس قماش الفستان ومبطنة بلون وردي فاتح وأرجواني) وفستان الهيكل العظمي (وهو عبارة عن فستان أسود من قماش الكريب المضلع ذي البطانة التي تعطي مظهر السطح البارز). كما طرحت سكياباريلي عدة عطور وابتكرت اللون «الوردي الفاقع» المستوحى من الماسة الوردية وزن 17 قيراطا المملوكة لكارتييه والتي تحمل اسم «تيت دي بيليه» (رأس الكبش). وكذلك صممت ملابس لممثلات مثل الممثلة الأمريكية ماي ويست في فيلم «كل يوم هو إجازة» (إيفري داي إيز أهوليداي) (1937)، من خلال الاستعانة بمانيكان ابتكر خصوصا بالقياسات الدقيقة لها، وكذلك الفنانة زازا جابور في فيلم «الطاحونة الحمراء» (مولان روج) (1952).
ولعل أهم إرث تركته سكياباريلي هو إضفاء حس المرح والدعابة على مجال الأزياء من خلال مزجها بين الفن والخيال. كانت تحب تجربة تشكيلات مختلفة من الأقمشة والألوان والمنسوجات، وألهمتها التقنيات الجديدة التي ظهرت على الساحة آنذاك. كانت أول مصممة أزياء تستخدم الألياف الصناعية في خط إنتاج الأزياء الراقية، مستعينة بالأكريليك والسيلوفان والجيرسيلا (رايون جيرسيه) ومزيج نسيج الرايون والألياف المعدنية. وفي عام 1930، ابتكرت أول طقم متناسق مكون من فستان سهرة وسترة، وكانت أول من ابتكر ملابس بسحاب بارز للعيان. وقادها هذا إلى استخدام أبازيم وأزرار غريبة الشكل؛ مثل زر سترة مغطى بالحرير على شكل نبتة القرنبيط.
Unknown page