Rawda Bahiyya
شرح اللمعة
ومهما يكن من أمر فقد كانت (مدرسة الحلة) امتدادا لمدرسة بغداد، وتطويرا لمناهجها، أساليبها، فبالرغم من الفتح الفقهي الكبير الذي قدر لمدرسة بغداد على يد (الشيخ الطوسي) كانت المدرسة بداية لفتح جديد، ومرحلة جديدة الاستنباط لم تخل من بدائية. فقدر لمدرسة الحلة - نتيجة لممارسة هذا اللون الجديد من التفكير والاستنباط - أن تمسح عنها مظاهر البدائية، وأن تسوي من مسالكها وأن توسع الطريق للسالكين وتمهدها لهم .
ولئن كان (الشيخ الطوسي) بلغ قمة الفكر الفقهي لمدرسة بغداد فقد بلغ (العلامة الحلي) قمة الفكر الفقهي لمدرسة الحلة. ولولا جهود علماء هذا العصر لظلت (مدرسة بغداد) على المستوى التي خلفها الشيخ من ورائه، ولما قطعت هذه المراحل الطويلة التي قطعتها فيما بعد على أيدي علماء كبار، أمثال (المحقق) و(العلامة) و(الشهيد) وغيرهم.
حياة الشهيد الاول
تمهيد
حياة الشهيد الاول الفقيه الاعظم (محمد بن مكي) العاملي الجزيني متشعبة الاطراف، بعيدة الغور، لا يكفي لدراستها واستعراضها هذا العرض السريع، واللمسات الخفيفة التي لا تمس من حياة الرجال غير ظواهر سطحية من حياتهم، يعرضها التاريخ بتفصيل، أو يلمح إليها باجمال. فقد جدد الفقيه الاعظم الشهيد الاول مدرسة في الفقه لها أبعادها وحدودها وسماتها الخاصة التي تميزها عن المدارس الفقهية السابقة عليها.
وخاض غمار السياسة، واشتبك مع الاتجاهات السياسية المعارضة في وقته، فأيده ناس من المؤمنين، وعارضه آخرون من المخالفين وحاربته فئة، واعترضت سبيله طائفة أخرى، واستدعاه حاكم خراسان واعتقله حاكم دمشق، وقتله في النهاية في حديث مشجي. فقد كان له أثر كبير إذا على الحياة الثقافية والفكرية، وعلى الحياة السياسية في وقته. ويزيد في أهمية ذلك كله أنه كان يمثل في الجانبين معا: الجانب الفكري، والجانب السياسي اتجاها فكريا خاصا. كان يلقى المعارضة كل المعارضة من قبل الواجهات السياسية والفكرية في وقته، باعتباره مذهبا فكريا وسياسيا خطرا على الكيان الاجتماعي
Page 80