مجرد رجل.
أريد الصادق الكدراوي الآن، أريده هنا تحت هذه الشجرة، أنت تعرف كيف تقرأ النساء، اقرأ مأساتي، البحيرة، نعم، فلأذهب إلى البحيرة، قالت له ذات مرة فلوباندو إن البحيرة هذه دموع امرأة فقدت طفلاتها الثلاث، ابتلعهن الدغل، هو الآن يحس بالفقدان، فقدان ما أعطته البحيرة، بحيرة الدموع، جلس تحت ذات الشجرة التي كان يجلس عليها يوم أن رقصت سنيلا على شاطئ البحيرة الرملي، لو استطعت إرجاع عجلة الزمن للوراء، ليس الزمن فحسب بل المكان، الصورة، الكائن، الهواء أيضا، أنت لا تستطيع أن تعيد اللون والإيقاع، الرقصة، الرقصة ذاتها، أنت لا.
لساعة الكاسيوس مم! دائما وفية، في رأس كل ساعة من الزمن تصدر شارات موسيقية متتابعة: شارتان، وهو كالعادة لا ينظر ليرى كم الساعة، يكتفي بأن ساعة من الزمن مضت، ساعة أضيفت إلى ساعات كسولة باردة مرت، ساعات كثيرة لا حصر لها.
ولم يهتم، لم يهتم، فيم! ولكن خارج وعي سلطان تيه تشير إلى الثالثة أو الرابعة بعد الظهر، وخارج وعيه أيضا الريح خفيفة ناعمة دافئة دغلية تحمل صراخ قردة العوا من مسافات بعيدة، وربما من غابات الموز الواقعة خلف غابة المهوقني والنخيل المتسلق. أما في وعيه وأمام عينيه وعلى الطبيعة حدث ما يلي: على عجل هبط قردان الماء، وعلى عجل دارا دورة في الرمل وعادا للغابة، يعرف أن لا حيوان أو إنسان يشرب من ماء البحيرة، يعرف أيضا أن ليس كل ماء الدغل يشرب؛ بعضه سام قاتل، بعضه يحتوي على نسبة كبريت عالية، والبعض ثقيل كالزيت؛ لذا يشرب المواطنون في أغلب الأحيان من الآبار أو الأنهار الكبيرة الجارية، كان قلقا كأنف فأر، تطوف بمخيلته أطياف وظلال شتى، كان وحيدا ومكتظا بالأشباح. حينما وقفت على رمل الشط للحظة قبل أن تحرر نفسها من فستانها البابيت البهيج وتلقي به على عشب قريب على الشاطئ، لم يصدق نفسه بأنه يراها حقيقة، هل لعينين بائستين، ساقطتين، أرهقهما السهر أن تريا سنيلا، سنيلا أيضا؟! وعندما أشهرت عريا أسطوريا قبل أن تقفز به في الماء، وعندما تطاير الماء في كل صوب وجهة مندهشا؛ ما كان ليؤمن بما يرى، من أدهش البحيرة أهو الجسد الفعلي للجنة سنيلا؟!
الجسد الفعلي للجنة سنيلا!
انتظر يا سلطان تيه، ربما كتب الله لك رقصة، لا شيء كثير عند الله، سيكتب لك رقصة، كيف ضيعت هذا الجسد ذات مرة؟! لن تضيع الرقصة، فقط الزم مكانك ساكنا مسكونا متمسكا بالأمل، اليأس شرك بالله، الأمل صلاة صامتة، الأمل حج.
كان ينظر إليها في رهبة كأنه موسى ينظر إلى نار الله، تغطس في المياه، تخرج مندفعة إلى أعلى كدلفين مسحور، تقف على رمل الشاطئ، يرقص الشاطئ، ترقص الصورة الظل على تموجات الماء، هل كان ذلك النهد، القد ...
اصبر، اصبر، اصبر يا سلطان.
ولكنه فجأة صرخ: سنيلا.
انطلاق الصوت عبر الغابة، محاكاة الماء والضفة الصخرية المواجهة.
Unknown page