(ق٧ / أ) قلت: لم يجعل أحد من علماؤنا الثلاثة الأمور الحسيّة المذكورة دليلًا على الكثيرة، وإنما جعلوا ذلك دليلًا على سريان النجاسة، وليس عند أبي حنيفة أن الكثير لا ينجس جميعه، بل فروعه ناطقة بخلافه. قال الإمام محمد بن الحسن (١) في "الأصل" (٢): "وإذا وقعت الجيفة أو غيرها من النجاسات في حوض صغير لم (٣) يخلص بعضه إلى بعض لم يستعمل، وإن كان كبير لا يخلص بعضه إلى بعض فلا بأس بأن يتوضأ من ناحية أخرى. وقال الإمام أبو يوسف (٤) في "الإملاء": قال أبو حنيفة في حوض مسبغة إذا حرك ناحية منه لم تضطرب الناحية الأخرى، فهذا لا ينجسه بول يقع فيه، أو دم، أو جيفة إلا ذلك الموضع وإذا كان يرى بتنجس موضع الوقوع من الماء الكثير كيف يكون قائلًا بأن الكثير لا ينجس كالشافعي ﵀ في القلتين، ومالك في ما يكون بحال لا يتغير
بالاختلاط ينجس، وسأنبهك على سر المسألة عنده إن شاء الله تعالى. قوله: ثم اختلفوا في تفسر الخلوص ... الخ هذا ظاهر في أن مراده خلوص الماء بعضه إلى بعض، وليس هو المنظهر إليه لذاته
_________
(١) هو محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني، والشيباني نسبة إلى قبيلة شيبان وكنيته أبو عبد الله، فقيه حنفي، أصولي، نحوي فصيح، ويعده الحنفية من طبقة المجتهدين في المذهب. ولد في ١٣٢ هـ في مدينة واسط (في العراق)، ومن أهم مصنفاته: الأصل (ويعرف بالمبسوط في الفروع)، الجامع الكبير (جمع فيه أهم مسائل في الفقه)، الحجة على أهل المدينة، الأمالي، السِّيَر الكبير، توفي في ١٨٩ هـ في مدينة الري، وانظر ترجمته في الجواهر المضية (٢/ ٤٢)، تاج التراجم (ص/٢٣٧).
(٢) يعنون به كتاب المبسوط للشيباني، وسمي بالأصل لأنه صنفه قبل سائر كتبه المعروفة كما ذكر ذلك ابن عابدين، وانظر الكواشف الجلية (ص/٤٨).
(٣) كذا بالأصل والصواب حذفها حتى تستقيم العبارة، وحذفها هو الموافق لعبارة الشيباني في "الأصل".
(٤) هو الإمام المجتهد العلامة المحدث أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن حبيش بن سعد بن بجير بن معاوية الأنصاري الكوفي حدث عن أبي حنيفة ولزمه وتفقه به وهو أنبل تلامذته وأعلمهم تخرج به أئمة كمحمد بن الحسن ومعلى بن منصور وهلال الرأي وابن سماعه وعدة وعن هلال الرأي قال كان أبو يوسف يحفظ التفسير ويحفظ المغازي وأيام العرب كان أحد علومه الفقه توفي سنة اثنتين وثمانين ومائة، وترجمته في الجواهر المضية (٢/ ٢٢٠، ٥١٩)، تاج التراجم (ص/٣١٥)، والسير (٨/ ٥٣٥)، وطبقات الفقهاء (١/ ١٤١).
1 / 27