وإن كانت غير مرئيّة بأن بال فيها إنسان أو اغتسل جنب اختلف المشايخ فيه قال مشايخ العراق: أن حكمه حكم المرئيّة حتى لا يتوضأ من ذلك الجانب، وإنما يتوضأ من الجانب الآخر لما ذكرنا
(ق٥/ ب) في المرئيّة بخلاف الماء الجاري؛ لأنه ينقل النجاسة من موضع إلى موضع، فلم يتيقن بالنجاسة في موضع الوضوء، ومشايخنا مما وراء النهر فصلوا بينهما في غير المرئية أنه يتوضأ من أي جانب كان كما قالوا جميعًا في الماء الجاري وهو الأصح؛ لأن غير المرئية لا يستقر في الجانب الذي يتوضأ منه، فلا يحكم بنجاسة بالشك على الأصل المعهود أن اليقين لا يزول بالشك بخلاف المرئية. ... انتهى
وكان قبل هذا قال فإن وقع في الماء، فإن كان جاريًا فإن كان جاريًا، فإن النجس غير مرئي كالبول، والخمر ونحوهما لا ينجس ما لم يتغير لونه أو طعمه أو ريحه، ويتوضأ منه من أي موضع كان من الجانب الذي وقع فيه النجس أو من الجانب الآخر كذا ذكره محمد في كتاب "الأشربة" لو أن رجلًا
صب خابية من خمر في الفرات ورجل آخر أسفل منه يتوضأ به إن تغير لونه أو طعمه أو ريحه لا يجوز، وإن لم يتغير يجوز، وعن أبي حنيفة في جاهل بال في الماء الجاري، ورجل أسفل منه يتوضأ به. قال: لا بأس به، وهذا لأن الماء الجاري مما لا يخلص بعضه إلى بعض فالماء الذي يتوضأ منه يحتمل أنه نجس ويحتمل أنه طاهر، والماء طاهر في الأصل فلا يحكم بنجاسة بالشك، وإن كانت النجاسة مرئيّة الجيفة ونحوها، فإن كان جميع الماء يجري على الجيفة لا يجوز الوضوء من أسفل الجيفة لا (١) نجس بيقين والنجس لا يطهر بالجريان، وإن كان أكثره يجري على الجيفة، فكذلك لأن العبرة للغالب، وإن كان أقله يجري على الجيفة والأكثر يجري على الطاهر يجوز التوضؤ به من أسفل الجيفة؛ لأن المغلوب ملحق بالعدم في أحكام الشرع، وإن كان يجري عليها النصف أو دون النصف، فالقياس أن يجوز التوضؤ به؛ لأن الماء كله طاهر بيقين، فلا يحكم بقوله (٢) نجسًا بالشك، وفي الاستحسان لا يجوز
(ق٦ / أ) احتياطًا. انتهى
وفيه ما في الأول وزيادة، وأنا أبين لك ذلك: قوله: وقال أصحاب الظواهر أن الماء لا ينجس بوقوع
النجاسة يتبادر منه أنه يجوز استعماله عندهم؛ حيث لم يحكم يتنجيسه، وليس كذلك بل قالوا: لا
_________
(١) كذا بالأصل، والصواب: "؛ لأنه نجس" كذا في البدائع.
(٢) كذا بالأصل، والصواب: " بكونه " كذا في البدائع.
1 / 24