المناط (١)، فلم يكن عند المتكلم معي شعور بحقيقة الحال ورأى أن أحدًا في هذا العصر لا يصح منه قلت الصحيح (٢) فنظر في كتب الأصحاب وتتبع أمكنة فعله، ثم جاء محتجًّا عليَّ بقول صاحب الاختيار (٣): "والأصل أن الماء القليل ينجس بوقوع النجاسة فيه والكثير لا، ولقوله ﵇ في البحر "هو الطهور ماؤه" (٤) واعتبرناه فوجدناه مما لا يخلص بعضه إلى بعض (٥)، فنقول: كل ما لا يخلص بعضه إلى بعض لا ينجس بوقوع النجاسة فيه، فهذا معنى قولهم لا يتحرك طرفيه بتحريك الطرف الآخر، واعتبر المشايخ الخلوص بالمساحة، فوجدوه عشرًا في عشرٍ، فقدروه بذلك تيسيرًا، وقال أبو مطيع (٦): إذا كان خمسة عشر في خمسة عشر لا يتخلص، أما عشرين في عشرين لا أرى في
_________
(١) أي متعلقات الحكم، والمناط هو العلة فمعنى تحقيق المناط تحقيق العلة في الفرع.
(٢) حذف فعل القول وذكر المقول، والمقصود أنه لا يصح للمتأخرين التصحيح والخروج عن ربقة التقليد.
(٣) هو عبد الله بن محمود بن مودود بن محمود الموصلي، الحنفي (أبو الفضل، مجد الدين). فقيه. ولد بالموصل في شوال ٥٩٩هـ، وولي القضاء بالكوفة، وتوفي ببغداد في ١٩ المحرم ٦٨٣ هـ. من تصانيفه: شرح الجامع الكبير للشيباني، المختار في الفتوى، الاختيار لتعليل المختار. انظر ترجمته في: الجواهر المضية للقرشي (١/ ٢٩١)، تاج التراجم لمؤلفنا (ص/٢٣)، الأعلام للزركلي (٤/ ١٣٥)، معجم المؤلفين لكحالة (٦/ ١٤٨).
(٤) صحيح: أخرجه أبوداود، والترمذي وقال: «حسن صحيح»، والنسائي، وابن ماجه، وأحمد (٢/ ٢٣٧، ٣٦١)، وغيرهم - كلهم - من طريق مالك عن صفوان بن سليم عن سعيد بن سلمة عن المغيرة بن أبي بردة عن أبي هريرة ﵁. وفي إسناد هذا الحديث اختلاف، وقد صححه جماعة من العلماء، فنقل ابن حجر في التلخيص (١/ ١٠ - ١١) تصحيحه عن: البخاري فيما حكاه عنه الترمذي، وابن منده، وابن المنذر، والبغوي، وصححه أيضا الشيخ الألباني في «الإرواء»، وصحح إسناده الشيخ الأرناؤوط في هامش المسند.
(٥) المقصود بيان أن القليل ما تصل النجاسة فيه من الجزء المستعمل إلى الجانب الآخر، وإلا فكثير.
(٦) هو: أبو مطيع البلخي: الحكم بن عبد الله بن مسلمة بن عبد الرحمن، الإمام العالم العامل، أحد أعلام هذه الأمة، ومن أقر له بالفضائل جهابذة الأئمة. كان من كبار أصحاب أبي حنيفة، وهو راوي " الفقه الأكبر "، ولي قضاء بلخ، وكانت مدة ولايته على قضاء بلخ ستة عشر سنة، يقول بالحق ويعمل به، وقدم بغداد غير مرة، وحدث بها، وتلقاه أبو يوسف، وتناظر معه، ومن تفرداته، أنه كان يقول بفرضية التسبيحات الثلاث في الركوع والسجود، وقيل كان من رؤوس المرجئة، وقال أبو داود تركوا حديثه لأنه كان جهميا وتوفي ببلخ سنة تسع وتسعين ومائة. وانظر ترجمته في: الجواهر المضية (٢/ ٢٦٥)، تاج التراجم (١/ ٣٣١)، الطبقات السنية (١/ ٢٦٣)، وغيرها.
1 / 14