ومرة أخرى تذهب أنا؛ لتتمدد على القش.
وينظر إليها بيتر مانجوم ويتابع بعينيه حركة بطنها وهي تصعد وتنتفض في إيقاع، ويقول: «يا لها من حياة! ... هذه المسكينة أنا ... تلد كالكلبة، وكيفما اتفق طفلا بعد آخر، ويسألها: متى الوضع؟» - في الحقيقة لا أذكر، وأظن أنه لم يحن الوقت، ربما كان بعد أسبوع.
وتبتسم وهي تنظر إلى المساء ممدة على ظهرها. - انهضي إذن ولنسرع!
وتنهض أنا وتعمل في صعوبة، وتتداخل سيقان القمح، وتترك خلفها صفا من السنابل التي يجمعها بيتر في صبر وهو يربط حزمه، وأخيرا يقول: ربما كان من الأفضل أن تذهبي لتستريحي إلى جوار العربة قليلا، فهناك ظل والحرارة أهدأ، وحملك يثقلك فيما أرى، ولا أباهي إذا ذكرت أنك تلدين في الحقول، والقرية كلها تتحدث عن ذلك. - آه ... القرية ... ليس هناك غيري تلد في الحقول، وأنا أعلم أن الرجال يضحكون ... ولكننا نحن نلد أطفالنا في أي مكان يأتينا فيه ألم المخاض، والله - لا الرجال - هو الذي ينظم كل هذا.
ومرت بطرف منديلها الأصفر فوق وجهها لكي تمسحه، وخلعت - في عناية - مريلتها من فوق بطنها، وذهبت والأرض تحرق صفحة قدميها، وكانت أنا في قوام ماجون تقريبا، وأخذت تمشي بخطى واسعة ، ولكن حملها المتقدم كان يفسد اتزان مشيتها، وظلها يتبعها - طويلا مشوها - فوق القش المنتصب، ويعكس على قمة الذهبية فيصيبها بالدكنة.
وبسرعة تمددت أنا في ظل العربة رغم ندرة هذا الظل، فنصف جسمها ابتداء من الخصر معرض للشمس، وقد أصابها بالتصلب ألم حاد، ولكن هل هو إشارة الخلاص؟ لقد وضعت مرة على هذا النحو، وكان ذلك في الخريف وقت جمع الذرة تحت مطر خفيف.
ويقلقها هذا الألم الذي يتكرر، وتأمل ألا يحدث الوضع الآن، وعرق غزير بارد يثلج كليتيها، فتفزع وتمسك بيدها اليسرى عجلة العربة، وباليمنى تتعلق بالقش الذي اقتلعته من الأرض.
وظلت ساكنة وعيناها إلى السماء وأنفاسها متوقفة.
وفي أعلى - أي في أعماق زرقة السماء - تتابع عصفوران وكأنهما نقطتان بالغتا الصغر وهما يغنيان، وعلى الأرض وسط أعواد الذرة تغني سمانة أيضا، وخطر لأنا أنه كان من الواجب أن تتمدد على الحصير الموجود إلى جوارها، ولكنها لم تجرؤ على أن تتحرك، وبقيت ممدة فوق الأرض العادية.
ودنت من وجهها ضفدعة مبللة الظهر وهي تقفز، ثم وقفت وحدقت في أنا فاغرة فاها، وعيناها جاحظتان، وحلقها المبرقش بالبياض ينبض.
Unknown page