[خِطْبَة المؤلف]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(رَبِّ يَسِّرْ وَأَعِنْ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَلَّامَةُ أَبُو الْفَرَجِ زَيْنُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ رَجَبٍ الْحَنْبَلِيّ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ وَأَسْكَنَهُ فَسِيحَ جَنَّتِهِ.
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي مَهَّدَ قَوَاعِدَ الدِّين بِكِتَابِهِ الْمُحْكَمِ، وَشَيَّدَ مَعَاقِلَ الْعِلْمِ بِخِطَابِهِ وَأَحْكَمَ، وَفَقَّهَ فِي دِينِهِ مَنْ أَرَادَ بِهِ خَيْرًا مِنْ عِبَادِهِ وَفَهَّمَ، وَأَوْقَفَ مَنْ شَاءَ عَلَى مَا شَاءَ مِنْ أَسْرَارِ مُرَادِهِ وَأَلْهَمَ، فَسُبْحَانَ مَنْ حَكَمَ فَأَحْكَمَ، وَحَلَّلَ وَحَرَّمَ، وَعَرَّفَ وَعَلَّمَ، عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً تَهْدِي إلَى الطَّرِيقِ الْأَقْوَمِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَخْصُوصُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ وَبَدَائِعِ الْحِكَمِ، وَوَدَائِعِ الْعِلْمِ وَالْحِلْمِ وَالْكَرْمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
" أَمَّا بَعْدُ " فَهَذِهِ قَوَاعِدُ مُهِمَّةٌ وَفَوَائِدُ جَمَّةٌ، تَضْبِطُ لِلْفَقِيهِ أُصُولَ الْمَذْهَبِ، وَتُطْلِعُهُ مِنْ مَآخِذِ الْفِقْهِ عَلَى مَا كَانَ عَنْهُ قَدْ تَغَيَّبَ.
وَتُنَظِّمُ لَهُ مَنْثُورَ الْمَسَائِلِ فِي سِلْك وَاحِدٍ، وَتُقَيِّدُ لَهُ الشَّوَارِدَ وَتُقَرِّبُ عَلَيْهِ كُلَّ مُتَبَاعِدٍ، فَلْيُمْعِنْ النَّاظِرُ فِيهِ النَّظَرَ، وَلْيُوَسِّعْ الْعُذْرَ إنَّ اللَّبِيبَ مَنْ عَذَرَ.
فَلَقَدْ سَنَحَ بِالْبَالِ عَلَى غَايَةٍ مِنْ الْإِعْجَالِ، كَالِارْتِجَالِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ الِارْتِجَالِ، فِي أَيَّامٍ يَسِيرَةٍ وَلَيَالٍ.
وَيَأْبَى اللَّهُ الْعِصْمَةَ لِكِتَابٍ غَيْرِ كِتَابِهِ، وَالْمُنْصِفُ مَنْ اغْتَفَرَ قَلِيلَ خَطَأِ الْمَرْءِ فِي كَثِيرِ صَوَابِهِ، وَاَللَّهُ الْمَسْئُولُ أَنْ يُوَفِّقَنَا لِصَوَابِ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، وَأَنْ يَرْزُقَنَا اجْتِنَابَ أَسْبَابِ الزَّيْغِ وَالزَّلَلِ، إنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ لِمَنْ سَأَلَ، لَا يُخَيِّبُ مَنْ إيَّاهُ رَجَا وَعَلَيْهِ تَوَكَّلَ.
[الْقَاعِدَةُ الْأُولَى الْمَاءُ الْجَارِي هَلْ هُوَ كَالرَّاكِدِ]
(الْقَاعِدَةُ الْأُولَى)
الْمَاءُ الْجَارِي هَلْ هُوَ كَالرَّاكِدِ أَوْ كُلُّ جرية مِنْهُ لَهَا حُكْمُ الْمَاءِ الْمُنْفَرِدِ.
فِيهِ خِلَافٌ فِي الْمَذْهَبِ يَنْبَنِي عَلَيْهِ مَسَائِلُ: (أَحَدُهَا) لَوْ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ فَهَلْ يُعْتَبَرُ مَجْمُوعُهُ، فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَمْ يَنْجُسْ بِدُونِ تَغَيُّرٍ وَإِلَّا نَجُسَ أَوْ تُعْتَبَرُ كُلُّ جَرْيَةٍ بِانْفِرَادِهَا فَإِنْ بَلَغَتْ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَنْجُسْ وَإِلَّا نَجُسَتْ.
فِيهِ رِوَايَتَانِ
1 / 3
حَكَاهُمَا الشِّيرَازِيُّ وَغَيْرُهُ.
[غمس الْإِنَاءُ النَّجِسُ فِي مَاءٍ جَارٍ]
(وَالثَّانِيَةُ): الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْقَاضِي
وَالثَّانِيَةُ: لَوْ غُمِسَ الْإِنَاءُ النَّجِسُ فِي مَاءٍ جَارٍ وَمَرَّتْ عَلَيْهِ سَبْعُ جَرْيَاتٍ فَهَلْ ذَلِكَ غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ سَبْعُ غَسَلَاتٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: حَكَاهُمَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْغَازِي تِلْمِيذُ الْآمِدِيِّ،
وَذَكَرَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ ذَلِكَ غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ، وَفِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ لِلْقَاضِي: أَنَّ كَلَامَ أَحْمَدَ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ ثَوْبًا وَنَحْوِهِ وَعَصَرَهُ عَقِيبَ كُلِّ جَرْيَةٍ.
[انغمس الْمُحْدِثُ حَدَثًا أَصْغَرَ فِي مَاءٍ جَارٍ لِلْوُضُوءِ]
(وَالثَّالِثَةُ): لَوْ انْغَمَسَ الْمُحْدِثُ حَدَثًا أَصْغَرَ فِي مَاءٍ جَارٍ لِلْوُضُوءِ وَمَرَّتْ عَلَيْهِ أَرْبَعُ جَرْيَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ فَهَلْ يَرْتَفِعُ بِذَلِكَ حَدَثُهُ أَمْ لَا؟
عَلَى وَجْهَيْنِ: أَشْهَرُهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْجَارِي وَالرَّاكِدِ.
قُلْتُ: بَلْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ، وَأَنَّهُ إذَا انْغَمَسَ فِي دِجْلَةَ فَإِنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ حَتَّى يُخْرِجَ حَدَثَهُ مُرَتَّبًا.
[حَلَفَ لَا يَقِفُ فِي هَذَا الْمَاءِ وَكَانَ جَارِيًا]
(وَالرَّابِعَةُ) لَوْ حَلَفَ لَا يَقِفُ فِي هَذَا الْمَاءِ وَكَانَ جَارِيًا لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ ; لِأَنَّ الْجَارِيَ يَتَبَدَّلُ وَيَسْتَخْلِفُ شَيْئًا فَشَيْئًا، فَلَا يُتَصَوَّرُ الْوُقُوفُ فِيهِ.
وَقِيَاسُ الْمَنْصُوصِ أَنَّهُ يَحْنَثُ، لَا سِيَّمَا وَالْعُرْفُ يَشْهَدُ لَهُ وَالْأَيْمَانُ مَرْجِعُهَا إلَى الْعُرْفِ، ثُمَّ وَجَدْت الْقَاضِيَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ ذَكَرَ نَحْوَ هَذَا [وَاَللَّهُ أَعْلَمُ] .
[الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ شَعْرُ الْحَيَوَانِ فِي حُكْمِ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ]
(الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ): شَعَرُ الْحَيَوَانِ فِي حُكْمِ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ لَا فِي حُكْمِ الْمُتَّصِلِ، وَكَذَلِكَ الظُّفُرُ.
هَذَا هُوَ جَادَّةُ الْمَذْهَبِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ: مِنْهَا: إذَا مَسَّ شَعَرَ امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ، وَكَذَلِكَ ظُفْرَهَا أَوْ مَسَّهَا بِظُفْرِهِ أَوْ شَعَرِهِ وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَأْخَذٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الْأَجْزَاءَ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لِلشَّهْوَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَهِيَ شَرْطٌ لِنَقْضِ الْوُضُوءِ عِنْدَنَا.
[الشعر لَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ وَلَا بِالِانْفِصَالِ]
(وَمِنْهَا) أَنَّ الشَّعَرَ لَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ وَلَا بِالِانْفِصَالِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَكَذَا مَا طَالَ مِنْ الظُّفْرِ عَلَى احْتِمَالٍ فِيهِ، أَمَّا عَلَى الْمَشْهُورِ فَإِنْ انْفَصَلَ مِنْ آدَمِيٍّ لَمْ يَنْجُسْ عَلَى الصَّحِيحِ وَمِنْ غَيْرِهِ يَنْجُسُ، لِأَنَّهُ كَانَتْ فِيهِ حَيَاةٌ ثُمَّ فَارَقَتْهُ حَالَ انْفِصَالِهِ فَمَنَعَهُ الِاتِّصَالُ مِنْ التَّنْجِيسِ فَإِذَا انْفَصَلَ زَالَ الْمَانِعُ فَنَجُسَ.
[غَسْلُ الشعر فِي الْجَنَابَةِ وَالْحَدَثِ]
(وَمِنْهَا) غَسْلُهُ فِي الْجَنَابَةِ وَالْحَدَثِ.
فَأَمَّا الْجَنَابَةُ فَفِي وُجُوبِ غَسْلِهِ وَجْهَانِ وَاَلَّذِي رَجَّحَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَذَكَرَ أَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ عَدَمُ الْوُجُوبِ طَرْدًا لِلْقَاعِدَةِ، وَمَنْ أَوْجَبَهُ فَيَقُولُ: وَجَبَ تَعَبُّدًا.
نَعَمْ إنْ كَانَ وُصُولُ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ لَا يُمْكِنُ بِدُونِ غَسْلِهِ وَجَبَ لِضَرُورَةِ وُجُوبِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَهُ، وَأَمَّا فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ يَجِبُ غَسْلُ الْمُسْتَرْسِلِ مِنْهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَأَمَّا الْمُحَاذِي لِمَحَلِّ الْفَرْضِ فَيُجْزِئُ إمْرَارُ الْمَاءِ عَلَى ظَاهِرِهِ إذَا كَانَ كَثِيفًا، لِأَنَّ إيصَالَ الْمَاءِ
1 / 4
إلَى الْحَوَائِلِ فِي الْوُضُوءِ كَافٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُتَّصِلَةً بِالْبَدَنِ اتِّصَالَ خِلْقَةٍ كَالْخُفِّ وَالْعِمَامَةِ وَالْجَبِيرَةِ فَالْمُتَّصِلِ خِلْقَةً أَوْلَى.
[أَضَافَ طَلَاقًا أَوْ عَتَاقًا أَوْ ظِهَارًا إلَى الشَّعَرِ أَوْ الظُّفْرِ]
(وَمِنْهَا) لَوْ أَضَافَ طَلَاقًا أَوْ عَتَاقًا أَوْ ظِهَارًا إلَى الشَّعَرِ أَوْ الظُّفْرِ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ الطَّلَاقُ وَلَا الْعَتَاقُ وَلَا الظِّهَارُ عَلَى الْأَصَحِّ.
[كَانَ جيبه وَاسِعًا تُرَى مِنْهُ عَوْرَتُهُ فِي الصَّلَاةِ لَكِنْ لَهُ لَحَيَّةٌ كَبِيرَةٌ تَسْتُرُهُ]
(وَمِنْهَا) لَوْ كَانَ جَيْبُهُ وَاسِعًا تُرَى مِنْهُ عَوْرَتُهُ فِي الصَّلَاةِ لَكِنْ لَهُ لِحْيَةٌ كَبِيرَةٌ تَسْتُرُهُ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَكْفِيهِ فِي السِّتْرِ، قَالَ فِي الْمُغْنِي: نَصَّ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ قَرَّرَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ أَنَّ السِّتْرَ بِالْمُتَّصِلِ كَالْيَدِ وَنَحْوِهَا لَا فِدْيَةَ فِيهِ.
وَخَالَفَهُ صَاحِبُ شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَقَالَ: هُوَ سِتْرٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَتَرَدَّدَ فِيهِ الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ فَجَزَمَ تَارَةً بِأَنَّ السِّتْرَ بِالْمُتَّصِلِ لَيْسَ بِسِتْرٍ فِي الْإِحْرَامِ وَلَا فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ ذَكَرَ نَصَّ أَحْمَدَ وَرَجَعَ إلَى أَنَّهُ سِتْرٌ فِي الصَّلَاةِ دُونَ الْإِحْرَامِ ; لِأَنَّ الْقَصْدَ فِي سِتْرِ الصَّلَاةِ تَغْيِيبُ لَوْنِ الْبَشَرَةِ وَفِي الْإِحْرَامِ إنَّمَا يُحَرَّمُ السِّتْرُ بِمَا يُسْتَرُ بِهِ عَادَةً.
فَأَمَّا إيجَابُ الْفِدْيَةِ بِهِ وَضَمَانُهُ مِنْ الصَّيْدِ وَتَحْرِيمُ نَظَرِهِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ، فَلَمَّا يَتَعَلَّقُ بِجُمْلَةِ الْبَدَنِ مِنْ إزَالَةِ جَمَالِهِ وَتَأَذِّي الصَّيْدِ بِتَرْوِيعِهِ وَإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، وَالِافْتِتَانِ بِالْمَرْأَةِ وَلِهَذَا لِوَ انْفَصَلَ شَعَرُ الْمَرْأَةِ جَازَ النَّظَرُ إلَيْهِ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ وَحَكَى صَاحِبُ التَّلْخِيصِ فِيهِ وَجْهَيْنِ.
[الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ عِبَادَةٌ فَأَتَى بِمَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى مَا دُونَهُ لَأَجْزَأَهُ]
(الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ): مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ عِبَادَةٌ فَأَتَى بِمَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى مَا دُونَهُ لَأَجْزَأَهُ هَلْ يُوصَفُ الْكُلُّ بِالْوُجُوبِ أَوْ قَدْرُ الْإِجْزَاءِ مِنْهُ.
إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُتَمَيِّزَةً مُنْفَصِلَةً فَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّهَا نَفْلٌ بِانْفِرَادِهَا كَإِخْرَاجِ صَاعَيْنِ مُنْفَرِدَيْنِ فِي الْفِطْرَةِ وَنَحْوِهَا، وَأَمَّا إنْ لَمْ تَكُنْ مُتَمَيِّزَةً فَفِيهِ وَجْهَانِ مَذْكُورَانِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ مَسَائِلُ: (مِنْهَا) إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ بَعْدَ فَوَاتِ قَدْرِ الْإِجْزَاءِ مِنْهُ هَلْ يَكُونُ مُدْرِكًا لَهُ فِي الْفَرِيضَةِ.
ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ تَخْرِيجُهَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ إذَا قُلْنَا لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَجْرِيَ الزِّيَادَةُ مَجْرَى الْوَاجِبِ فِي بَابِ الِاتِّبَاعِ خَاصَّةً إذْ الِاتِّبَاعُ قَدْ يُسْقِطُ الْوَاجِبَ كَمَا فِي الْمَسْبُوقِ وَمُصَلِّي الْجُمُعَةِ مِنْ امْرَأَةٍ وَعَبْدٍ مُسَافِرٍ.
[وَجَبَ عَلَيْهِ شَاة فَذَبَحَ بَدَنَةً]
(وَمِنْهَا) إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ شَاةٌ فَذَبَحَ بَدَنَةً فَهَلْ كُلُّهَا وَاجِبَةٌ أَوْ سُبُعُهَا؟ .
عَلَى وَجْهَيْنِ (وَمِنْهَا) إذَا أَدَّى عَنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ بَعِيرًا وَقُلْنَا يَجْزِيهِ فَهَلْ الْوَاجِبُ كُلُّهُ أَوْ خُمُسُهُ الْوَاجِبُ.
وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ فِيهِ وَجْهَيْنِ: فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ خُمُسَهُ الْوَاجِبَ يُجْزِئُ عَنْ عِشْرِينَ بَعِيرًا أَيْضًا، وَعَلَى الْآخَرِ لَا يُجْزِئُ عَنْ عِشْرِينَ إلَّا أَرْبَعَةُ أَبْعِرَةٍ.
[مَسَحَ رَأْسَهُ كُلَّهُ دُفْعَةً وَاحِدَة وَقُلْنَا الْفَرْضُ مِنْهُ قَدْرُ النَّاصِيَةِ]
(وَمِنْهَا) إذَا مَسَحَ رَأْسَهُ كُلَّهُ دُفْعَةً وَاحِدَةً وَقُلْنَا الْفَرْضُ مِنْهُ قَدْرُ النَّاصِيَةِ فَهَلْ الْكُلُّ فَرْضٌ أَوْ قَدْرُ النَّاصِيَةِ مِنْهُ.
(وَمِنْهَا) إذَا أَخْرَجَ فِي الزَّكَاةِ سِنًّا أَعْلَى مِنْ
1 / 5
الْوَاجِبِ فَهَلْ كُلُّهُ فَرْضٌ أَوْ بَعْضُهُ تَطَوُّعٌ.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ كُلُّهُ فَرْضٌ وَقَالَ الْقَاضِي بَعْضُهُ تَطَوُّعٌ وَهُوَ الصَّوَابُ ; لِأَنَّ الشَّارِعَ أَعْطَاهُ جُبْرَانًا عَنْ الزِّيَادَةِ، فَأَمَّا مَا كَانَ الْأَصْلُ فَرْضِيَّتَهُ وَوُجُوبَهُ ثُمَّ سَقَطَ بَعْضُهُ تَخْفِيفًا فَإِذَا فَعَلَ الْأَصْلَ وُصِفَ الْكُلُّ بِالْوُجُوبِ عَلَى الصَّحِيحِ، فَمِنْ ذَلِكَ إذَا صَلَّى الْمُسَافِرُ أَرْبَعًا فَإِنَّ الْكُلَّ فَرْضٌ فِي حَقِّهِ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ تَنَفُّلٌ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِهِ فِيهِمَا وَهُوَ مُتَمَشٍّ عَلَى أَصْلِهِ وَهُوَ عَدَمُ اعْتِبَارِ نِيَّةِ الْقَصْرِ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَمِنْهُ إذَا كَفَّرَ الْوَاطِئُ فِي الْحَيْضِ بِدِينَارٍ فَإِنَّ الْكُلَّ وَاجِبٌ وَإِنْ كَانَ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى نِصْفِهِ ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي، وَيَتَخَرَّجُ فِيهِ وَجْهٌ مِنْ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ فَأَمَّا إنْ غَسَلَ رَأْسَهُ بَدَلًا عَنْ مَسْحِهِ وَقُلْنَا بِالْإِجْزَاءِ فَفِي السَّائِلِ مِنْهُ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي رَفْعِ حَدَثٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْغَسْلُ وَإِنَّمَا سَقَطَ تَخْفِيفًا.
وَالثَّانِي: وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ طَهُورٌ لِأَنَّ الْغَسْلَ مَكْرُوهٌ فَلَا يَكُونُ وَاجِبًا وَقَدْ يُقَالُ وَالْإِتْمَامُ فِي السَّفَرِ مَكْرُوهٌ أَيْضًا.
[الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَة الْعِبَادَاتُ كُلُّهَا لَا يَجُوز تَقْدِيمُهَا عَلَى سَبَبِ وُجُوبِهَا]
(الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ): الْعِبَادَاتُ كُلُّهَا سَوَاءٌ كَانَتْ بَدَنِيَّةً أَوْ مَالِيَّةً أَوْ مُرَكَّبَةً مِنْهُمَا لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى سَبَبِ وُجُوبِهَا وَيَجُوزُ تَقْدِيمُهَا بَعْدَ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَقَبْلَ الْوُجُوبِ أَوْ قَبْلَ شَرْطِ الْوُجُوبِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ: (مِنْهَا) الطَّهَارَةُ سَبَبُ وُجُوبِهَا الْحَدَثُ وَشَرْطُ الْوُجُوبِ فِعْلُ الْعِبَادَةِ الْمُشْتَرَطِ لَهَا الطَّهَارَةُ فَيَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْعِبَادَةِ وَلَوْ بِالزَّمَنِ الطَّوِيلِ بَعْدَ الْحَدَثِ.
(وَمِنْهَا) الصَّلَاةُ فَيَجُوزُ تَقْدِيمُ صَلَاةِ الْعَصْرِ إلَى وَقْتِ الظُّهْرِ، وَالْعِشَاءِ إلَى وَقْتِ الْمَغْرِبِ لِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ الزَّوَالَ سَبَبًا لِوُجُوبِ الصَّلَاتَيْنِ عِنْدَ الْعُذْرِ دُونَ عَدَمِهِ، وَلِهَذَا لَوْ أَدْرَكَ جُزْءًا مِنْ وَقْتِ الزَّوَالِ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ عُذْرٌ لَزِمَهُ قَضَاءُ الصَّلَاتَيْنِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَلَوْ زَالَ الْعُذْرُ فِي آخِرِ وَقْتِ الْعَصْرِ لَزِمَهُ الصَّلَاتَانِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا فَعُلِمَ أَنَّ الْوَقْتَيْنِ قَدْ صَارَا فِي حَالِ الْعُذْرِ كَالْوَقْتِ الْوَاحِدِ، لَكِنَّهُ وَقْتُ جَوَازٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى إحْدَاهُمَا، وَوُجُوبٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُخْرَى.
(وَمِنْهَا) صَلَاةُ الْجُمُعَةِ فَإِنْ سَبَبهَا الْيَوْمُ لِأَنَّهَا تُضَافُ إلَيْهِ فَيَجُوزُ فِعْلُهَا بَعْدَ زَوَالِ وَقْتِ النَّهْيِ مِنْ أَوَّلِ الْيَوْمِ وَإِنْ كَانَ الزَّوَالُ هُوَ وَقْتَ الْوُجُوبِ.
(وَمِنْهَا) زَكَاةُ الْمَالِ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا مِنْ أَوَّلِ الْحَوْلِ بَعْدَ كَمَالِ النِّصَابِ.
(وَمِنْهَا) كَفَّارَاتُ الْإِحْرَامِ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهَا لِلْعُذْرِ فَإِنَّ الْعُذْرَ سَبَبُهَا فَيَجُوزُ تَقْدِيمُهَا بَعْدَ الْعُذْرِ وَقَبْلَ فِعْلِ الْمَحْظُورِ.
(وَمِنْهَا) صِيَامُ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ فَإِنَّ سَبَبَهُ الْعُمْرَةُ السَّابِقَةُ لِلْحَجِّ فِي أَشْهُرِهِ، فَبِالشُّرُوعِ فِي إحْرَامِ الْعُمْرَةِ
1 / 6
قَدْ وُجِدَ السَّبَبُ فَيَجُوزُ الصِّيَامُ بَعْدَهُ وَإِنْ كَانَ وُجُوبُهُ مُتَأَخِّرًا عَنْ ذَلِكَ.
وَأَمَّا الْهَدْيُ فَقَدْ الْتَزَمَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ، وَلَنَا رِوَايَةٌ أَنَّهُ يَجُوزُ ذَبْحُهُ لِمَنْ دَخَلَ قَبْلَ الْعَشْرِ لِمَشَقَّةِ حِفْظِهِ عَلَيْهِ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ وَعَلَى الْمَشْهُورِ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ أَيَّامِ النَّحْرِ لِأَنَّ الشَّرْعَ خَصَّهَا بِالذَّبْحِ.
(وَمِنْهَا) كَفَّارَةُ الْيَمِينِ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْحِنْثِ بَعْدَ عَقْدِ الْيَمِينِ مَالِيَّةً كَانَتْ أَوْ بَدَنِيَّةً.
(وَمِنْهَا) إخْرَاجُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ أَوْ الصَّيْدِ بَعْدَ الْجُرْحِ وَقَبْلَ الزُّهُوقِ.
(وَمِنْهَا) النَّذْرُ الْمُطْلَقُ نَحْوُ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِكَذَا فَلَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ فِي الْحَالِ ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ.
وَيَلْتَحِقُ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى شَرْطِ وُجُوبِهِ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ فِي غَيْرِ الْعِبَادَاتِ، كَالْإِبْرَاءِ مِنْ الدِّيَةِ بَيْنَ الْجِنَايَةِ وَالْمَوْتِ وَأَمَّا مِنْ الْقِصَاصِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَكَتَوْفِيَةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ لِلضَّامِنِ الدَّيْنَ بَيْنَ الضَّمَانِ وَالْأَدَاءِ وَفِيهِ وَجْهَانِ وَكَعَفْوِ الشَّفِيعِ عَنْ الشُّفْعَةِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ، فَإِنَّ سَبَبَ الشُّفْعَةِ الْمِلْكُ وَشَرْطَهَا الْبَيْعُ، وَأَمَّا إسْقَاطُ الْوَرَثَةِ حَقَّهُمْ مِنْ وَصِيَّةِ الْمَوْرُوثِ فِي مَرَضِهِ فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَشَبَّهَهُ فِي مَوْضِعٍ بِالْعَفْوِ عَنْ الشُّفْعَةِ، فَخَرَّجَهُ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَكَإِيتَاءِ الْمُكَاتَبِ رُبْعَ الْكِتَابَةِ بَعْدَ عَقْدِهَا وَقَبْلَ كَمَالِ الْأَدَاءِ وَهُوَ جَائِزٌ.
[الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَة مَنْ عَجَّلَ عِبَادَةً قَبْلَ وَقْتِ الْوُجُوبِ ثُمَّ جَاءَ وَقْتُ الْوُجُوبِ وَقَدْ تغير الْحَال]
(الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ): مَنْ عَجَّلَ عِبَادَةً قَبْلَ وَقْتِ الْوُجُوبِ ثُمَّ جَاءَ وَقْتُ الْوُجُوبِ وَقَدْ تَغَيَّرَ الْحَالُ بِحَيْثُ لَوْ فَعَلَ الْمُعَجَّلَ فِي وَقْتِ الْوُجُوبِ لَمْ يُجْزِئْهُ فَهَلْ تُجْزِئُهُ أَمْ لَا؟ هَذَا عَلَى قِسْمَيْنِ: (أَحَدِهِمَا) أَنْ يَتَبَيَّنَ الْخَلَلَ فِي نَفْسِ الْعِبَادَةِ بِأَنْ يَظْهَرَ وَقْتَ الْوُجُوبِ أَنَّ الْوَاجِبَ غَيْرُ الْمُعَجَّلِ وَلِذَلِكَ صُوَرٌ:
(مِنْهَا) إذَا كَفَّرَ بِالصَّوْمِ قَبْلَ الْحِنْثِ ثُمَّ حَنِثَ وَهُوَ مُوسِرٌ قَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّ الْوَاجِبَ غَيْرُ مَا أَتَى بِهِ وَإِطْلَاقُ الْأَكْثَرِينَ مُخَالِفٌ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ فَرْضَهُ فِي الظَّاهِرِ فَبَرِئَ بِهِ وَانْحَلَّتْ يَمِينُهُ بِمَعْنَى أَنَّهَا لَمْ تَبْقَ مُنْعَقِدَةً بِالتَّكْفِيرِ فَصَادَفَ فِعْلُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ذِمَّةً بَرِيئَةً مِنْ الْوَاجِبِ فَلَمْ يَحْصُلْ بِهِ الْحِنْثُ ; لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ حَلَّتْهُ.
وَقَدْ صَرَّحَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بِأَنَّ الْكَفَّارَةَ قَبْلَ الْفِعْلِ تَحُلُّ الْيَمِينَ الْمُنْعَقِدَةَ وَبَعْدَهُ تُكَفِّرُ أَثَرَ الْمُخَالَفَةِ.
(وَمِنْهَا) إذَا كَفَّرَ الْمُتَمَتِّعُ بِالصَّوْمِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْهَدْيِ وَقْتَ وُجُوبِهِ فَصَرَّحَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي الْإِقْنَاعِ بِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ وَإِطْلَاقُ الْأَكْثَرِينَ يُخَالِفُهُ، بَلْ وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ تَصْرِيحٌ بِهِ وَرُبَّمَا أَشْعَرَ كَلَامُ أَحْمَدَ بِذَلِكَ لِأَنَّ صَوْمَهُ صَحَّ فَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ بِهِ فَصَادَفَ وَقْتُ وُجُوبِ الْهَدْيِ ذِمَّةً بَرِيئَةً مِنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ.
(وَمِنْهَا) إذَا عَجَّلَ عَنْ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَعَ شِيَاهٍ ثُمَّ نُتِجَتْ وَاحِدَةٌ
1 / 7
قَبْلَ الْحَوْلِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يُجْزِئُهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ إخْرَاجُ بِنْتِ مَخَاضٍ.
وَالثَّانِي: يُجْزِئُهُ عَنْ الْعِشْرِينَ وَيُخْرِجُ عَنْ الْبَاقِي خُمْسَ بِنْتِ مَخَاضٍ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ شَاةٌ عَنْ الْخَمْسِ الزَّائِدَةِ الَّتِي لَمْ يُؤَدِّ عَنْهَا لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى إيجَابِ خَمْسِ شِيَاهٍ عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ.
(وَمِنْهَا) إذَا صَلَّى الصَّبِيُّ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ثُمَّ بَلَغَ فَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ وَجْهَانِ الْمَنْصُوصِ أَنَّهُ يَجِبُ وَاخْتَارَ الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ خِلَافَهُ لِأَنَّهُ فَعَلَ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَصَادَفَهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ وَقَدْ فَعَلَ الْمَأْمُورَ فَامْتَنَعَ تَعَلُّقُ الْوُجُوبِ بِهِ لِذَلِكَ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا حَجَّ ثُمَّ بَلَغَ فَإِنَّ حَجَّهُ لَيْسَ بِمَأْمُورٍ بِهِ وَلَا مُعَاقَبٍ عَلَى تَرْكِهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَتَبَيَّنَ الْخَلَلَ فِي شَرْطِ الْعِبَادَةِ الْمُعَجَّلَةِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ مَسَائِلُ (مِنْهَا) إذَا عَجَّلَ الزَّكَاةَ إلَى فَقِيرٍ مُسْلِمٍ فَحَال الْحَوْلُ وَقَدْ مَاتَ أَوْ ارْتَدَّ أَوْ اسْتَغْنَى مِنْ غَيْرِهَا.
(وَمِنْهَا) إذَا جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي وَقْتِ أُولَاهُمَا بِتَيَمُّمٍ ثُمَّ دَخَلَ وَقْتُ الثَّانِيَة وَهُوَ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ.
(وَمِنْهَا) إذَا قَصَرَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ فِي وَقْتِ أُولَاهُمَا ثُمَّ قَدِمَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الثَّانِيَة.
[الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةُ فَعَلَ عِبَادَةً فِي وَقْتِ وُجُوبِهَا يَظُنُّ أَنَّهَا الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَاجِبَ كَانَ غَيْرَهَا]
(الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةُ): إذَا فَعَلَ عِبَادَةً فِي وَقْتِ وُجُوبِهَا يَظُنُّ أَنَّهَا الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ بِآخِرَةٍ أَنَّ الْوَاجِبَ كَانَ غَيْرَهَا فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ وَلِذَلِكَ صُوَرٌ: مِنْهَا إذَا أَحَجَّ الْمَعْضُوبُ عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ بَرِئَ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ فَعَلَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِي وَقْتِهِ لَا سِيَّمَا إنْ قِيلَ إنَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ عَلَى الْفَوْرِ.
(وَمِنْهَا) إذَا كَفَّرَ الْعَاجِزُ عَنْ الصِّيَامِ بِالْإِطْعَامِ لِلْإِيَاسِ مِنْ بُرْئِهِ ثُمَّ عُوفِيَ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الصَّوْمِ.
(وَمِنْهَا) إذَا ارْتَفَعَ حَيْضُهَا لَا تَدْرِي مَا رَفَعَهُ فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ عِنْدَنَا سَنَةً فَإِذَا اعْتَدَّتْ سَنَةً ثُمَّ رَأَتْ الْحَيْضَ لَمْ يَلْزَمْهَا الِاعْتِدَادُ بِهِ.
(وَمِنْهَا) إذَا صَلَّى الظُّهْرَ مَنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْعُذْرِ ثُمَّ زَالَ الْعُذْرُ قَبْلَ تَجْمِيعِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الْجُمُعَةِ مَعَ الْإِمَامِ، وَأَمَّا مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ فِعْلُ الظُّهْرِ قَبْلَ تَجْمِيعِ الْإِمَامِ فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ بَنَاهُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ وَأَنَّهُ تَجِبُ الْإِعَادَةُ لِتَبَيُّنِنَا أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ، وَلَيْسَ هَذَا مَأْخَذَ أَبِي بَكْرٍ فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِمَأْخَذِهِ وَهُوَ أَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ فِي حَقِّ مَنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ إنَّمَا يَدْخُلُ بِفِعْلِ الْجُمُعَةِ مِنْ الْإِمَامِ كَمَا لَا يَدْخُلُ وَقْتُ الذَّبْحِ فِي الْأَضَاحِيِّ إلَّا بَعْدَ صَلَاةِ الْإِمَامِ.
1 / 8
وَيَلْتَحِقُ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَا إذَا خَفِيَ الِاطِّلَاعُ عَلَى خَلَلِ الشَّرْطِ ثُمَّ تَبَيَّنَ، فَإِنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الْأَصَحِّ.
(فَمِنْ ذَلِكَ) إذَا أَدَّى الزَّكَاةَ إلَى مَنْ يَظُنُّهُ فَقِيرًا فَبَانَ أَنَّهُ غَنِيٌّ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ.
(وَمِنْهَا) إذَا صَلَّى الْمُسَافِرُ بِالِاجْتِهَادِ إلَى الْقِبْلَةِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ الْخَطَأَ فَإِنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَى الصَّحِيحِ.
(وَمِنْهَا) إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ فِي الظَّاهِرِ ثُمَّ تَبَيَّنَ فِسْقُهُمَا فَفِي النَّقْضِ رِوَايَتَانِ، رَجَّحَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ عَدَمَهُ، وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الصَّيْدِ مِنْ خِلَافِهِ، وَالْآمِدِيُّ لِئَلَّا يَنْقُضَ الِاجْتِهَادَ بِالِاجْتِهَادِ وَالْمَشْهُورُ النَّقْضُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ، وَأَمَّا إذَا اصْطَادَ بِكَلْبٍ عَلَّمَهُ ثُمَّ أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ لَا تُحَرَّمُ صُيُودِهِ الْمُتَقَدِّمَةُ عَلَى الصَّحِيحِ، لَكِنَّ مَأْخَذَهُ أَنَّا لَمْ نَتَبَيَّنَ فَسَادَ تَعْلِيمِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ نَسِيَهُ بَعْدَ تَعَلُّمِهِ أَوْ نَسِيَ إرْسَالَهُ، فَأَمَّا الْإِعَادَةُ عَلَى مَنْ نَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ وَتَيَمَّمَ ثُمَّ صَلَّى أَوْ عَلَى مَنْ صَلَّى صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ لِسَوَادٍ ظَنَّهُ عَدُوًّا فَلَمْ يَكُنْ أَوْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَا يَمْنَعُ الْعُبُورَ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ فَرَّطَ بِتَرْكِ الْبَحْثِ وَالتَّحْقِيقِ.
[الْقَاعِدَةُ السَّابِعَة مَنْ تَلَبَّسَ بِعِبَادَةٍ ثُمَّ وَجَدَ قَبْلَ فراغها مَا لَوْ كَانَ وَاجِدًا لَهُ قَبْلَ الشُّرُوعِ لَكَانَ هُوَ الْوَاجِبَ]
(الْقَاعِدَةُ السَّابِعَةُ): مَنْ تَلَبَّسَ بِعِبَادَةٍ ثُمَّ وَجَدَ قَبْلَ فَرَاغِهَا مَا لَوْ كَانَ وَاجِدًا لَهُ قَبْلَ الشُّرُوعِ لَكَانَ هُوَ الْوَاجِبَ دُونَ مَا تَلَبَّسَ بِهِ، هَلْ يَلْزَمُهُ الِانْتِقَالُ إلَيْهِ أَمْ يَمْضِي وَيُجْزِئُهُ.
هَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَكُونَ الْمُتَلَبِّسُ بِهِ رُخْصَةٌ عَامَّةٌ شُرِعَتْ تَيْسِيرًا عَلَى الْمُكَلَّفِ وَتَسْهِيلًا عَلَيْهِ مَعَ إمْكَانِ إتْيَانِهِ بِالْأَصْلِ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَالتَّكَلُّفِ، فَهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِانْتِقَالُ مِنْهُ بِوُجُودِ الْأَصْلِ كَالْمُتَمَتِّعِ إذَا عَدِمَ الْهَدْيَ فَإِنَّهُ رَخَّصَ لَهُ فِي الصِّيَامِ رُخْصَةً عَامَّةً، حَتَّى لَوْ قَدَرَ عَلَى الشِّرَاءِ بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ وَهُوَ مُوسِرٌ فِي بَلَدِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ.
الضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُتَلَبِّسُ بِهِ إنَّمَا شُرِعَ ضَرُورَةً لِلْعَجْزِ عَنْ الْأَصْلِ وَتَعَذُّرِهِ بِالْكُلِّيَّةِ فَهَذَا يَلْزَمُهُ الِانْتِقَالُ إلَى الْأَصْلِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَلَوْ فِي أَثْنَاءِ التَّلَبُّسِ بِالْبَدَلِ كَالْعِدَّةِ بِالْأَشْهُرِ فَإِنَّهَا لَا تُعْتَبَرُ بِحَالٍ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الِاعْتِدَادِ بِالْحَيْضِ، وَلِهَذَا تُؤْمَرُ مَنْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا لِعَارِضٍ مَعْلُومٍ أَنْ تَنْتَظِرَ زَوَالَهُ وَلَوْ طَالَتْ الْمُدَّةُ، وَإِنَّمَا جُوِّزَ لِمَنْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا لَا تَدْرِي مَا رَفَعَهُ أَنْ تَعْتَدَّ بِالْأَشْهُرِ لِأَنَّ حَيْضَهَا غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَا مَظْنُونٍ عَوْدُهُ.
وَسَوَاءٌ كَانَتْ هَذِهِ الْمُعْتَدَّةُ مُكَلَّفَةً قَبْلَ هَذَا بِالِاعْتِدَادِ بِالْحَيْضِ كَمَنْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا لَا تَدْرِي مَا رَفَعَهُ فَاعْتَدَّتْ بِالْأَشْهُرِ ثُمَّ حَاضَتْ فِي أَثْنَائِهَا، أَوْ لَمْ تَكُنْ مُكَلَّفَةً بِهِ كَالصَّغِيرَةِ إذَا حَاضَتْ فِي أَثْنَاء الْعِدَّةِ بِالْأَشْهُرِ.
1 / 9
وَهَا هُنَا مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ الضَّرْبَيْنِ: (مِنْهَا) مَنْ شَرَعَ فِي صِيَامِ كَفَّارَةِ ظِهَارٍ أَوْ يَمِينٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ثُمَّ وَجَدَ الرَّقَبَةَ، فَالْمَذْهَبُ لَا يَلْزَمُهُ الِانْتِقَالُ لِأَنَّ ذَلِكَ رُخْصَةٌ، فَهُوَ كَصِيَامِ الْمُتَمَتِّعِ.
وَفِيهِ وَجْهٌ يُلْزِمُهُ الِانْتِقَالَ لِأَنَّ الْكَفَّارَاتِ مَشْرُوعَةٌ بِإِرْبَاغِ وَالزَّجْرِ وَفِيهَا مِنْ التَّغْلِيظِ مَا يُنَافِي الرُّخْصَةَ الْمُطْلَقَةَ، وَلِهَذَا يَلْزَمُ شِرَاءُ الرَّقَبَةِ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ إذَا كَانَ مَالُهُ غَائِبًا، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَبِيعُهُ رَقَبَةً بِالدَّيْنِ وَمَالُهُ غَائِبٌ فَهَلْ يَلْزَمُهُ انْتِظَارُهُ أَوْ يَجُوزُ لَهُ الْعُدُولُ إلَى الصِّيَامِ لِلْمَشَقَّةِ أَوْ يُفَرِّقُ بَيْنَ الظِّهَارِ وَغَيْرِهِ عَلَى أَوْجُهٍ مَعْرُوفَةٍ.
(وَمِنْهَا) الْمُتَيَمِّمُ إذَا شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ فَفِي بُطْلَانِهَا رِوَايَتَانِ ; لِأَنَّ التَّيَمُّمَ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ رُخْصَةً عَامَّةً فَهُوَ كَصِيَامِ الْمُتَمَتِّعِ، وَمِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ ضَرُورَةً يُشْبِهُ الْعِدَّةَ بِالْأَشْهُرِ.
وَبَيَانُ الضَّرُورَةِ أَنَّهُ تُسْتَبَاحُ مَعَهُ الصَّلَاةُ بِالْحَدَثِ فَإِنَّهُ غَيْرُ رَافِعٍ لَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ فَلَا يَجُوزُ إتْمَامُ الصَّلَاةِ مُحْدِثًا مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ الرَّافِعِ لَهُ.
(وَمِنْهَا) إذَا نَكَحَ الْمُعْسِرُ الْخَائِفُ لِلْعَنَتِ أَمَةً ثُمَّ زَالَ أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ، فَهَلْ يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُ.
عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَالنِّكَاحُ فِيهِ شَوْبُ عِبَادَةٍ.
[الْقَاعِدَةُ الثَّامِنَة مِنْ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ الْعِبَادَةِ وَعَجَزَ عَنْ باقيها هَلْ يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ]
(الْقَاعِدَةُ الثَّامِنَةُ): مَنْ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ الْعِبَادَةِ وَعَجَزَ عَنْ بَاقِيهَا هَلْ يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْهَا أَمْ لَا؟
هَذَا أَقْسَامٌ: (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ لَيْسَ مَقْصُودً فِي الْعِبَادَةِ بَلْ هُوَ وَسِيلَةٌ مَحْضَةٌ إلَيْهَا كَتَحْرِيكِ اللِّسَانِ فِي الْقِرَاءَةِ وَإِمْرَارِ الْمُوسَى عَلَى الرَّأْسِ فِي الْحَلْقِ وَالْخِتَانِ، فَهَذَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ ضَرُورَةُ الْقِرَاءَةِ وَالْحَلْقِ وَالْقَطْعِ، وَقَدْ سَقَطَ الْأَصْلُ فَسَقَطَ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَتِهِ.
وَأَوْجَبَهُ الْقَاضِي فِي تَحْرِيكِ اللِّسَانِ خَاصَّةً وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا.
الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا وَجَبَ تَبَعًا لِغَيْرِهِ وَهُوَ نَوْعَانِ.
أَحَدُهُمَا: مَا كَانَ وُجُوبُهُ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ لِيَتَحَقَّقَ حُصُولُهَا كَغَسْلِ الْمِرْفَقَيْنِ فِي الْوُضُوءِ فَإِذَا قُطِعَتْ الْيَدُ مِنْ الْمِرْفَقِ هَلْ يَجِبُ غَسْلُ رَأْسِ الْمِرْفَقِ الْآخَرِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَشْهَرُهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ الْوُجُوبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ.
وَاخْتِيَارُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ خِلَافِهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ وَحُمِلَ كَلَامُ أَحْمَدَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ.
هَذَا إذَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْعِبَادَةِ كَمَا فِي وُضُوءِ الْأَقْطَعِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ بِالْكُلِّيَّةِ سَقَطَ التَّبَعُ كَإِمْسَاكِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ فِي الصَّوْمِ فَلَا يَلْزَمُ مَنْ أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ بِالِاتِّفَاقِ.
(وَالثَّانِي) مَا وَجَبَ تَبَعًا لِغَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ التَّكْمِيلِ وَاللَّوَاحِقَ مِثْلُ رَمْيِ الْجِمَارِ وَالْمَبِيتِ بِمِنًى لِمَنْ لَمْ يُدْرِكْ
1 / 10
الْحَجَّ، فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، فَلَا يَلْزَمُ مَنْ لَمْ يَقِفْ بِهَا.
وَحَكَى ابْنُ أَبِي مُوسَى رِوَايَةً أُخْرَى بِلُزُومِهَا ; لِأَنَّهَا عِبَادَاتٌ فِي نَفْسِهَا مُسْتَقِلَّةٌ، وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ: الْمَرِيضُ إذَا عَجَزَ فِي الصَّلَاةِ عَنْ وَضْعِ وَجْهِهِ عَلَى الْأَرْضِ وَقَدَرَ عَلَى وَضْعِ بَقِيَّةِ أَعْضَاءِ السُّجُودِ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ، لِأَنَّ السُّجُودَ عَلَى بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ إنَّمَا وَجَبَ تَبَعًا لِلسُّجُودِ عَلَى الْوَجْهِ وَتَكْمِيلًا لَهُ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا هُوَ جُزْءٌ مِنْ الْعِبَادَةِ وَلَيْسَ بِعِبَادَةٍ فِي نَفْسِهِ بِانْفِرَادِهِ، أَوْ هُوَ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ لِضَرُورَةٍ (فَالْأَوَّلُ) كَصَوْمِ بَعْضِ الْيَوْمِ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَعَجَزَ عَنْ إتْمَامِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ.
(وَالثَّانِي) كَعِتْقِ بَعْضِ الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ فَلَا يَلْزَمُ الْقَادِرَ عَلَيْهِ إذَا عَجَزَ عَنْ التَّكْمِيلِ لِأَنَّ الشَّارِعَ قَصْدُهُ تَكْمِيلُ الْعِتْقِ مَهْمَا أَمْكَنَ، وَلِهَذَا شَرَعَ السِّرَايَةَ وَالسِّعَايَةَ وَقَالَ «لَيْسَ لِلَّهِ شَرِيكٌ» فَلَا يَشْرَع عِتْقُ بَعْضِ الرَّقَبَةِ.
الْقِسْمُ الرَّابِعُ: مَا هُوَ جُزْءٌ مِنْ الْعِبَادَةِ وَهُوَ عِبَادَةٌ مَشْرُوعَةٌ فِي نَفْسِهِ فَيَجِبُ فِعْلُهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ فِعْلِ الْجَمِيعِ بِغَيْرِ خِلَافٍ، بِرَابِهَا عَلَيْهِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ: (مِنْهَا) الْعَاجِزُ عَنْ الْقِرَاءَةِ يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَقْصُودُهُ الْأَعْظَمُ الْقِرَاءَةَ لَكِنَّهُ أَيْضًا مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ عِبَادَةٌ مُنْفَرِدَةٌ.
(وَمِنْهَا) مَنْ عَجَزَ عَنْ بَعْضِ الْفَاتِحَةِ لَزِمَهُ الْإِتْيَانُ بِالْبَاقِي.
(وَمِنْهَا) مَنْ عَجَزَ عَنْ بَعْضِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ لَزِمَهُ الْإِتْيَانُ بِمَا قَدَرَ مِنْهُ لِأَنَّ تَخْفِيفَ الْجَنَابَةِ مَشْرُوعٌ وَلَوْ بِغَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ كَمَا يُشْرَعُ لِلْجُنُبِ إذَا أَرَادَ النَّوْمَ أَوْ الْوَطْءَ أَوْ الْأَكْلَ وَيَسْتَبِيحُ بِهِ اللُّبْثَ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَنَا وَوَقَعَ التَّرَدُّدَ فِي مَسَائِلَ أُخَرَ.
مِنْهَا: الْمُحْدِثُ إذَا وَجَدَ مَا يَكْفِي بَعْضَ أَعْضَائِهِ فَفِي وُجُوبِ اسْتِعْمَالِهِ وَجْهَانِ، وَمَأْخَذُ مَنْ لَا يَرَاهُ وَاجِبًا إمَّا أَنَّ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ لَا يَتَبَعَّضُ رَفْعُهُ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودٌ، أَوْ أَنَّهُ يَتَبَعَّضُ لَكِنَّهُ يَبْطُلُ بِالْإِخْلَالِ بِالْمُوَالَاةِ فَلَا يَبْقَى لَهُ فَائِدَةٌ، أَوْ أَنَّ غَسْلَ بَعْضِ أَعْضَاءِ الْمُحْدِثِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بِخِلَافِ غَسْلِ بَعْضِ أَعْضَاءِ الْجُنُبِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَمِنْهَا) إذَا قَدَرَ عَلَى بَعْضِ صَاعٍ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَمَأْخَذُ عَدَمِ الْوُجُوبِ أَنَّهُ كَفَّارَةٌ بِالْمَالِ فَلَا يَتَبَعَّضُ كَمَا لَوْ قَدَرَ عَلَى التَّكْفِيرِ بِإِطْعَامِ بَعْضِ الْمَسَاكِينِ وَالصَّحِيحُ الْوُجُوبُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَفَّارَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا): أَنَّ الْكَفَّارَةَ بِالْمَالِ تَسْقُطُ إلَى بَدَلٍ هُوَ الصَّوْمُ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ.
(وَالثَّانِي) أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا بُدَّ مِنْ تَكْمِيلِهَا، وَالْمَقْصُودُ مِنْ التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ تَحْصِيلُ إحْدَى الْمَصَالِحِ الثَّلَاثِ عَلَى
1 / 11
وَجْهِهَا وَهِيَ الْعِتْقُ وَالْإِطْعَامُ وَالْكِسْوَةُ، وَبِالتَّلْفِيقِ يُفَوِّتُ ذَلِكَ فَلَا تَبْرَأُ الذِّمَّةُ مِنْ الْوُجُوبِ إلَّا بِالْإِتْيَانِ بِإِحْدَى الْخِصَالِ بِكَمَالِهَا أَوْ بِالصِّيَامِ وَفِي الْفِطْرَةِ لَا تَبْرَأُ الذِّمَّةُ مِنْهَا بِدُونِ إخْرَاجِ الْمَوْجُودِ.
[الْقَاعِدَةُ التَّاسِعَة الْعِبَادَات الْوَاقِعَةِ عَلَى وَجْهٍ مُحَرَّمٍ إنْ كَانَ التَّحْرِيمُ عَائِدًا إلَى ذَاتِ الْعِبَادَةِ]
(الْقَاعِدَةُ التَّاسِعَةُ): فِي الْعِبَادَاتِ الْوَاقِعَةِ عَلَى وَجْهٍ مُحَرَّمٍ، إنْ كَانَ التَّحْرِيمُ عَائِدًا إلَى ذَاتِ الْعِبَادَةِ عَلَى وَجْهٍ يَخْتَصُّ بِهَا لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ كَانَ عَائِدًا إلَى شَرْطِهَا فَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهٍ يَخْتَصُّ بِهَا فَكَذَلِكَ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ لَا يَخْتَصُّ بِهَا فَفِي الصِّحَّةِ رِوَايَتَانِ أَشْهَرُهُمَا عَدَمُهَا، وَإِنْ عَادَ إلَى مَا لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهَا فَفِي الصِّحَّةِ وَجْهَانِ وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ عَدَمَ الصِّحَّةِ وَخَالَفَهُ الْأَكْثَرُونَ فَلِلْأَوَّلِ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ: (مِنْهَا) صَوْمُ يَوْمِ الْعِيدِ فَلَا يَصِحُّ بِحَالٍ عَلَى الْمَذْهَبِ (وَمِنْهَا) الصَّلَاةُ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ.
(وَمِنْهَا) الصَّلَاةُ فِي مَوَاضِعِ النَّهْيِ فَلَا يَصِحُّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ النَّهْيَ لِلتَّحْرِيمِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ.
هَذِهِ طَرِيقَةُ الْمُحَقِّقِينَ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ يَحْكِي الْخِلَافَ فِي الصِّحَّةِ مَعَ الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ (وَمِنْهَا) صِيَامُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَلَا يَصِحُّ تَطَوُّعًا بِحَالٍ، وَالْخِلَافُ فِي صِحَّةِ صَوْمِهَا فَرْضًا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ هَلْ يَشْمَلُ الْفَرْضَ أَمْ يَخْتَصُّ التَّطَوُّعَ وَلِلثَّانِي أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ: (مِنْهَا) الصَّلَاةُ بِالنَّجَاسَةِ وَبِغَيْرِ سُتْرَةٍ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ وَلِلثَّالِثِ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ: (مِنْهَا) الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ (وَمِنْهَا) الصَّلَاةُ فِي الثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ وَالْحَرِيرِ وَفِي الصِّحَّةِ رِوَايَتَانِ، وَعَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ الصِّحَّةِ فَهَلْ الْمُبْطِلُ ارْتِكَابُ النَّهْيِ فِي شَرْطِ الْعِبَادَةِ، أَمْ تَرْكُ الْإِتْيَانِ بِالشَّرْطِ الْمَأْمُورِ بِهِ.
لِلْأَصْحَابِ فِيهِ مَأْخَذَانِ يَنْبَنِي عَلَيْهِمَا لَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا ثَوْبًا مَغْصُوبًا فَصَلَّى فِيهِ فَإِنْ عَلَّلْنَا بِارْتِكَابِ النَّهْيِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، وَإِنْ عَلَّلْنَا بِتَرْكِ الْمَأْمُورِ صَحَّتْ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِدٍ لِسُتْرَةٍ يُؤْمَرُ بِهَا، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا ثَوْبَ حَرِيرٍ فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ فِيهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلَى أَصَحِّ الطَّرِيقَيْنِ لِإِبَاحَةِ لُبْسِهِ فِي هَذِهِ الْحَالِ.
(وَمِنْهَا) الصَّلَاةُ فِي الْبُقْعَةِ الْمَغْصُوبَةِ وَفِيهَا الْخِلَافُ وَلِلْبُطْلَانِ مَأْخَذَانِ أَيْضًا:
أَحَدُهُمَا أَنَّ الْبُقْعَةَ شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ وَلِهَذَا لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِي الْأُرْجُوحَةِ وَلَا عَلَى بِسَاطٍ فِي الْهَوَاءِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ حَرَكَاتِ الْمُصَلِّي وَسَكَنَاتِهِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ هُوَ نَفْسُ الْمُحَرَّمِ فَالتَّحْرِيمُ عَائِدٌ إلَى نَفْسِ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُخْتَصٍّ بِهَا فَهُوَ كَإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ وَالْهَدْيِ مِنْ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ وَلِلرَّابِعِ أَمْثِلَةٌ: (مِنْهَا) الْوُضُوءُ مِنْ الْإِنَاءِ الْمُحَرَّمِ.
(وَمِنْهَا) صَلَاةُ مَنْ عَلَيْهِ عِمَامَةُ غَصْبٍ أَوْ حَرِيرٍ أَوْ فِي يَدِهِ خَاتَمُ ذَهَبٍ وَفِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَجْهَانِ وَاخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ عَدَمُ الصِّحَّةِ، وَأَمَّا مَنْ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ
أَحَدُهُمَا
1 / 12
غَصْبٌ فَقِيلَ هُوَ مُخَرَّجٌ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، وَقِيلَ بَلْ هُوَ كَمَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ سِوَى الثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَمْ يَتَعَيَّنْ لِلسِّتْرِ بَلْ السِّتْرُ حَصَلَ بِوَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ.
وَأَمَّا الْحَجُّ بِالْمَالِ الْمَغْصُوبِ فَفِي صِحَّتِهِ رِوَايَتَانِ فَقِيلَ لِأَنَّ الْمَالَ شَرْطٌ لِوُجُوبِهِ وَشَرْطُ الْوُجُوبِ كَشَرْطِ الصِّحَّةِ وَرَجَّحَ ابْنُ عَقِيلٍ الصِّحَّةَ وَجَعَلَهُ مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ وَمَنَعَ كَوْنَ الْمَالِ شَرْطًا لِوُجُوبِهِ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْقَرِيبِ بِغَيْرِ مَالٍ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ شَرْطٌ فِي حَقِّ الْبَعِيدِ خَاصَّةً، كَمَا أَنَّ الْمَحْرَمَ شَرْطٌ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ دُونَ الرَّجُلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْقَاعِدَةُ الْعَاشِرَةُ الْأَلْفَاظُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ]
(الْقَاعِدَةُ الْعَاشِرَةُ): الْأَلْفَاظُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ (مِنْهَا) مَا يُعْتَبَرُ لَفْظُهُ وَمَعْنَاهُ وَهُوَ الْقُرْآنُ لِإِعْجَازِهِ بِلَفْظِهِ وَمَعْنَاهُ، فَلَا تَجُوزُ التَّرْجَمَةُ عَنْهُ بِلُغَةٍ أُخْرَى.
(وَمِنْهَا) مَا يُعْتَبَرُ مَعْنَاهُ دُونَ لَفْظِهِ كَأَلْفَاظِ عَقْدِ الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ وَأَلْفَاظِ الطَّلَاقِ.
(وَمِنْهَا) مَا يُعْتَبَرُ لَفْظُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ دُونَ الْعَجْزِ عَنْهُ وَيَدْخُلُ تَحْتَ ذَلِكَ صُوَرٌ: (مِنْهَا) التَّكْبِيرُ وَالتَّسْبِيحُ وَالدُّعَاءُ فِي الصَّلَاةِ لَا تَجُوزُ التَّرْجَمَةُ عَنْهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَمَعَ الْعَجْزِ عَنْهُ هَلْ يَلْحَقُ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَيَسْقُطُ أَوْ بِالثَّانِي فَيَأْتِي بِهِ بِلُغَتِهِ،؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
(وَمِنْهَا) خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ لَا تَصِحُّ مَعَ الْقُدْرَةِ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ وَتَصِحُّ مَعَ الْعَجْزِ.
(وَمِنْهَا) لَفْظُ النِّكَاحِ يَنْعَقِدُ مَعَ الْعَجْزِ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ وَمَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّعَلُّمِ فِيهِ وَجْهَانِ.
(وَمِنْهَا) لَفْظُ اللِّعَانِ وَحُكْمُهُ حُكْمُ لَفْظِ النِّكَاحِ.
[الْقَاعِدَةُ الْحَادِيَة عَشْرَة مِنْ عَلَيْهِ فَرْضٌ هَلْ لَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ قَبْلَ أَدَائِهِ بِجِنْسِهِ]
(الْقَاعِدَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ): مَنْ عَلَيْهِ فَرْضٌ هَلْ لَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ قَبْلَ أَدَائِهِ بِجِنْسِهِ أَمْ لَا.
هَذَا نَوْعَانِ:
(أَحَدُهُمَا): الْعِبَادَاتُ الْمَحْضَةُ فَإِنْ كَانَتْ مُوَسَّعَةً جَازَ التَّنَفُّلُ قَبْلَ أَدَائِهَا كَالصَّلَاةِ بِالِاتِّفَاقِ وَقَبْلَ قَضَائِهَا أَيْضًا كَقَضَاءِ رَمَضَانَ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ كَانَتْ مُضَيَّقَةً لَمْ تَصِحَّ عَلَى الصَّحِيحِ وَلِذَلِكَ صُوَرٌ: (مِنْهَا) إذَا تَضَايَقَ وَقْتُ الْمَكْتُوبَةِ هَلْ يَنْعَقِدُ التَّنَفُّلُ [الْمُطْلَقُ] حِينَئِذٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
(وَمِنْهَا) مَنْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ فَائِتَةٌ هَلْ يَصِحُّ التَّنَفُّلُ الْمُطْلَقُ قَبْلِ قَضَائِهَا؟ .
عَلَى وَجْهَيْنِ لِأَنَّ قَضَاءَ الْفَوَائِتِ عَلَى الْفَوْرِ.
(وَمِنْهَا) إذَا شَرَعَ فِي التَّنَفُّلِ بَعْدَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فَهَلْ تَصِحُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ وَاجِبَةٌ.
(وَمِنْهَا) صَوْمُ رَمَضَانَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَصُومَ فِيهِ عَنْ غَيْرِهِ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَصِحَّ عَنْ نَفْلِهِ، وَهَلْ يَنْقَلِبُ عَنْ فَرْضِهِ يَنْبَنِي عَلَى وُجُوبِ نِيَّةِ التَّعْيِينِ.
(وَمِنْهَا) إذَا حَجَّ تَطَوُّعًا قَبْلَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَقَعْ عَنْ
1 / 13
التَّطَوُّعِ وَانْقَلَبَتْ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ.
(وَمِنْهَا) لَوْ حَجَّ عَنْ نَذْرِهِ أَوْ عَنْ نَفْلٍ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ حَجَّةٍ فَاسِدَةٍ وَقَعَتْ عَنْ الْقَضَاءِ دُونَ مَا نَوَاهُ عَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا، فَأَمَّا إنْ تَنَفَّلَ بِالْحَجِّ بَعْدَ قَضَاءِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَقَبْلَ الِاعْتِمَارِ أَوْ بِالْعَكْسِ فَهَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا.
قَالَ فِي التَّلْخِيصِ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ النُّسُكَ هَلْ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ أَمْ لَا، فَإِنْ قُلْنَا عَلَى الْفَوْرِ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا جَازَ وَفِيهِ نَظَرٌ.
وَأَمَّا الزَّكَاةُ فَقَالَ الْأَصْحَابُ يَصِحُّ أَنْ يَتَنَفَّلَ بِالصَّدَقَةِ قَبْلَ أَدَائِهَا وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْفَوْرِ وَكَذَلِكَ نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا فِيمَنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ وَنَذْرٌ لَا يُبَالِي بِأَيِّهِمَا يَبْدَأُ، وَهَذَا إذَا كَانَ مَالُهُ يَتَّسِعُ لَهُمَا فَأَمَّا إنْ لَمْ يَتَّسِعْ فَسَنَذْكُرُهُ.
(النَّوْعُ الثَّانِي): التَّصَرُّفَاتُ الْمَالِيَّةُ كَالْعِتْقِ وَالْوَقْفِ وَالصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ إذَا تَصَرَّفَ بِهَا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَكُنْ حُجِرَ عَلَيْهِ فَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ تَصَرُّفِهِ وَإِنْ اُسْتُغْرِقَ مَالُهُ فِي ذَلِكَ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ﵀ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مَعَ مُطَالَبَةِ الْغُرَمَاءِ، الْعَيْهَمَ قَوْلًا فِي الْمَذْهَبِ وَيُمْكِنُ تَخْرِيجُهُ فِي الْمَذْهَبِ مِنْ أَصْلَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا): مَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ﵀ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ فِيمَنْ تَبَرَّعَ بِمَالِهِ بِوَقْفٍ أَوْ صَدَقَةٍ وَأَبَوَاهُ مُحْتَاجَانِ أَنَّ لَهُمَا رَدَّهُ وَاحْتَجَّ بِالْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ فِي ذَلِكَ.
(وَالثَّانِي): أَنَّهُ نَصَّ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَلَى مَنْ أَوْصَى لِأَجَانِبَ وَلَهُ أَقَارِبُ مُحْتَاجُونَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تُرَدُّ عَلَيْهِمْ فَتَخَرَّجَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ تَبَرَّعَ وَعَلَيْهِ نَفَقَةٌ وَاجِبَةٌ لِوَارِثٍ أَوْ دَيْنٌ لَيْسَ لَهُ وَفَاءٌ أَنَّهُ يُرَدُّ وَلِهَذَا يُبَاعُ الْمُدَبَّرُ فِي الدَّيْنِ خَاصَّةً عَلَى رِوَايَةٍ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ فِيمَنْ تَصَدَّقَ عِنْدَ مَوْتِهِ بِمَالِهِ كُلِّهِ قَالَ هَذَا مَرْدُودٌ لَوْ كَانَ فِي حَيَاتِهِ لَمْ أُجَوِّزْ لَهُ إذَا كَانَ لَهُ وَلَدٌ.
[الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَة عَشَرَة الْعِبَادَاتِ الْوَارِدَةَ عَلَى وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ]
(الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ): الْمَذْهَبُ أَنَّ الْعِبَادَاتِ الْوَارِدَةَ عَلَى وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ يَجُوزُ فِعْلُهَا عَلَى جَمِيعِ تِلْكَ الْوُجُوهِ الْوَارِدَةِ فِيهَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ لِبَعْضِهَا وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ، لَكِنْ هَلْ الْأَفْضَلُ الْمُدَاوَمَةُ عَلَى نَوْعٍ مِنْهَا أَوْ فِعْلُ جَمِيعِ الْأَنْوَاعِ فِي أَوْقَاتٍ شَتَّى، ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ الْأَوَّلُ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ﵀.
الثَّانِي: لِأَنَّ فِيهِ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ ﷺ فِي تَنَوُّعِهِ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ إنَّهَا تَنَوَّعَتْ بِحَسَبِ الْمَصَالِحِ فَتُصَلَّى فِي كُلِّ وَقْتٍ عَلَى صِفَةٍ تَكُونُ مُنَاسِبَةً لَهُ وَهَلْ الْأَفْضَلُ الْجَمْعُ بَيْنَ مَا أَمْكَنَ جَمْعُهُ مِنْ تِلْكَ الْأَنْوَاعِ أَوْ الِاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا.
هَذَا فِيهِ نِزَاعٌ فِي الْمَذْهَبِ
1 / 14
وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ ذَلِكَ صُوَرٌ: (مِنْهَا) مَسْحُ الْأُذُنَيْنِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ مَسْحُهُمَا مَرَّةً وَاحِدَةً إمَّا مَعَ الرَّأْسِ أَوْ بِمَاءٍ جَدِيدٍ وَلَا يُسَنُّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَحُكِيَ عَنْ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ جَلَبَةَ قَاضِي حَرَّانَ أَنَّ الْأَفْضَلَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا عَمَلًا بِالْحَدِيثَيْنِ
(وَمِنْهَا) الِاسْتِفْتَاحُ فَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْأَفْضَلَ الِاسْتِفْتَاحُ بِسُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ وَاخْتَارَ ابْنُ هُبَيْرَةَ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاسْتِفْتَاحِ الْغَيْهَمِ وَجْهِي أَفْضَلُ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ﵀ أَنَّهُ يَسْتَفْتِحُ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ وَرَدَ فِي الْجَمْعِ أَحَادِيث مُتَعَدِّدَةٌ وَفِيهَا ضَعْفٌ وَبِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا فَلَا تَكُونُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ.
(وَمِنْهَا) إجَابَةُ الْمُؤَذِّنِ هَلْ يُشْرَعُ فِيهَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَيْعَلَةِ وَالْحَوْقَلَةِ أَمْ لَا وَكَذَا فِي التَّثْوِيبِ فِي الْفَجْرِ فِيهِ وَجْهَانِ.
(وَمِنْهَا) سُنَّةُ الْجُمُعَةِ بَعْدَهَا نَقَلَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ عَنْ أَحْمَدَ ﵀ أَنَّهُ قَالَ: أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ وَصَلَّى هُوَ رَكْعَتَيْنِ فَأَيَّهُمَا فَعَلْتَ فَحَسَنٌ وَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَحْتَاطَ صَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعًا جَمَعْت فِعْلَهُ وَأَمْرَهُ وَهَذَا مَأْخَذٌ غَرِيبٌ لِاسْتِحْبَابِ السِّتِّ، وَأَمَّا الْأَصْحَابُ فَلَمْ يَسْتَنِدُوا إلَّا إلَى مَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ مِنْ صَلَاتِهِ سِتَّ رَكَعَاتٍ
(وَمِنْهَا) أَلْفَاظُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فِي التَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِيهَا كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَوَرَدَ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ فَهَلْ يُقَالُ الْأَفْضَلُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ اخْتَارَ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا وَقَدْ يَكُونُ مُسْتَنَدُهُ جَمْعَ الرِّوَايَتَيْنِ وَأَنْكَرَ الشَّيْخُ ﵀ ذَلِكَ وَقَالَ لَمْ يَبْلُغْنِي فِيهِ حَدِيثٌ مُسْنَدٌ ثَابِتٌ بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ لِأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ هَذَا تَارَةً وَهَذَا تَارَةً فَأَحَدُ اللَّفْظَيْنِ بَدَلٌ عَنْ الْآخَرِ وَلَا يَصِحُّ الْجَمْعُ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ كَذَا قَالَ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيث كَعْبٍ أَيْضًا وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ.
[الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ وَجَدْنَا أَثَرًا مَعْلُولًا لِعِلَّةٍ وَوَجَدْنَا فِي مَحَلِّهِ عِلَّةً صَالِحَةً لَهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْأَثَرُ مَعْلُولًا لِغَيْرِهَا]
(الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) إذَا وَجَدْنَا أَثَرًا مَعْلُولًا لِعِلَّةٍ وَوَجَدْنَا فِي مَحَلِّهِ عِلَّةً صَالِحَةً لَهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْأَثَرُ مَعْلُولًا لِغَيْرِهَا لَكِنْ لَا يَتَحَقَّقُ وُجُودُ غَيْرِهَا، فَهَلْ يُحَالُ ذَلِكَ الْأَثَرُ عَلَى تِلْكَ الْعِلَّةِ الْمَعْلُومَةِ أَمْ لَا؟ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ وَلَهَا صُوَرٌ كَثِيرَةٌ قَدْ يَقْوَى فِي بَعْضِهَا الْإِحَالَةُ وَفِي بَعْضِهَا الْعَدَمُ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا عِلَّةَ سِوَى هَذِهِ الْمُتَحَقِّقَةِ وَقَدْ يَظْهَرُ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ الْإِحَالَةُ عَلَيْهَا فَيَتَوَافَقُ الْأَصْلُ الظَّاهِرُ، وَقَدْ تَظْهَرُ الْإِحَالَةُ عَلَى غَيْرِهَا فَيَخْتَلِفَانِ.
1 / 15
فَمِنْ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ) مَا إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ نَجَاسَةٌ ثُمَّ غَابَ عَنْهُ ثُمَّ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ إحَالَةً لِلتَّغْيِيرِ عَلَى النَّجَاسَةِ الْمَعْلُومِ طِرْمِسَاءِ فِيهِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ وُجُودِ مُغَيِّرٍ غَيْرِهَا وَخَرَّجَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِيهِ وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ طَاهِرٌ مِنْ مَسْأَلَةِ الصَّيْدِ الْآتِيَةِ وَالْأُولَى أَوْلَى لِأَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَةُ الْمَاءِ فَلَا يُزَالُ عَنْهَا بِالشَّكِّ.
(وَمِنْهَا) مَا إذَا وُجِدَ مِنْ النَّائِمِ قَبْلَ نَوْمِهِ سَبَبٌ يَقْتَضِي خُرُوجَ الْمَذْيِ مِنْهُ مِنْ تَفَكُّرٍ أَوْ مُلَاعَبَةٍ وَنَحْوِهِمَا ثُمَّ نَامَ وَاسْتَيْقَظَ وَوَجَدَ بَلَلًا لَمْ يَتَيَقَّنْهُ مَنِيًّا وَلَمْ يَذْكُرْ حُلْمًا فَإِنَّ الْمَنْصُوصَ عَنْ أَحْمَدَ ﵀ أَنَّهُ لَا غُسْلَ عَلَيْهِ إحَالَةً لِلْخَارِجِ عَلَى السَّبَبِ الْمُتَيَقَّنِ وَهُوَ الْمُقْتَضِي لِخُرُوجِ الْمَذْيِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُودِ غَيْرِهِ وَقَدْ تَيَقَّنَ وُجُودَهُ وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ ﵀ رِوَايَةً أُخْرَى بِوُجُوبِ الْغُسْلِ
(وَمِنْهَا) لَوْ جَرَحَ صَيْدًا جُرْحًا غَيْرَ مُوَحٍّ ثُمَّ غَابَ عَنْهُ وَوَجَدَهُ مَيْتًا وَلَا أَثَرَ فِيهِ غَيْرُ سَهْمِهِ فَهَلْ يَحِلُّ أَكْلُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ يَحِلُّ لِحَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ.
وَالثَّانِيَة: لَا يَحِلُّ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ كُلْ مَا أَصْمَيْتَ وَدَعْ مَا أَنْمَيْتَ وَلِذَلِكَ تُسَمَّى مَسْأَلَةَ الْإِصْمَاءِ وَالْإِنْمَاءِ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ إنْ غَابَ عَنْهُ لَيْلَةً لَمْ يَحِلَّ وَإِلَّا حَلَّ وَفِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَعُلِّلَ بِأَنَّ هَوَامَّ اللَّيْلِ كَثِيرَةٌ فَكَأَنَّ الظَّاهِرَ هُنَا وَهُوَ وُجُودُ سَبَبٍ آخَرَ حَصَلَ مِنْهُ الزُّهُوقُ قَوِيٌّ عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ عَدَمُ إصَابَةِ غَيْرِ السَّهْمِ لَهُ
(وَمِنْهَا) لَوْ جَرَحَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا جُرْحًا غَيْرَ مُوَحٍّ ثُمَّ غَابَ عَنْهُ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيْتًا فَهَلْ يَضْمَنُهُ كُلَّهُ أَوْ أَرْشَ الْجُرْحِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ وَجَزَمَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِضَمَانِ أَرْشِ الْجُرْحِ فَقَطْ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ.
(وَمِنْهَا) لَوْ جَرَحَ آدَمِيًّا مَعْصُومًا جُرْحًا غَيْرَ مُوحٍ ثُمَّ مَاتَ وَادَّعَى أَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبٍ غَيْرِ سِرَايَةِ جُرْحِهِ وَأَنْكَرَ الْوَلِيُّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ مَعَ يَمِينِهِ وَلَمْ يَحْكِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا إحَالَةً لِلزُّهُوقِ عَلَى الْجُرْحِ الْمَعْلُومِ، وَفِي الْمُجَرَّدِ أَنَّهُ إنْ مَاتَ عَقِيبَ الْجُرْحِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ مُدَّةٍ يَنْدَمِلُ الْجُرْحُ فِي مِثْلِهَا.
فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ ضِمْنًا مِنْ الْجُرْحِ حَتَّى مَاتَ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْوَلِيِّ.
(وَمِنْهَا) لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ وَلَهَا وَلَدٌ هَذَا الْوَلَدُ مِنِّي، فَهَلْ يَثْبُتُ بِذَلِكَ اسْتِيلَادُ الْأَمَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا): نَعَمْ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ سَبَبًا يَتَحَقَّقُ بِهِ لُحُوقُ النَّسَبِ [هُنَا] غَيْرَ مِلْكِ الْيَمِينِ فَيُحَالُ اللُّحُوقُ عَلَيْهِ فَيَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ ثُبُوتَ الِاسْتِيلَادِ فِي الْأَمَةِ.
(وَالثَّانِي) لَا لِاحْتِمَالِ اسْتِيلَادِهِ قَبْلَ ذَلِكَ فِي نِكَاحٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ.
(وَمِنْهَا) لَوْ ادَّعَى رِقَّ مَجْهُولِ النَّسَبَ فَشَهِدَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ أَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُ وَلَمْ تَقُلْ فِي مِلْكِهِ فَهَلْ يُحْكَمُ لَهُ بِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ
1 / 16
رَجَّحَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ أَنَّهَا إنْ شَهِدَتْ أَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ إضَافَةُ الْوَلَدِ إلَى الْأَمَة الْمُضَافَةِ إلَيْهِ حُكِمَ لَهُ بِالْوَلَدِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بِأَنْ شَهِدَتْ أَنَّ هَذَا وَلَدُ هَذِهِ الْأَمَةِ وَأَنَّ أُمَّهُ مِلْكٌ لَهُ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِالْوَلَدِ
(وَمِنْهَا) لَوْ قَالَ رَجُلٌ: هَذَا ابْنِي مِنْ زَوْجَتِي وَادَّعَتْ زَوْجَتُهُ ذَلِكَ وَادَّعَتْهُ امْرَأَةٌ أُخْرَى فَهُوَ ابْنُ الرَّجُلِ وَهَلْ تُرَجَّحُ زَوْجَتُهُ عَلَى الْأُخْرَى؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: تُرَجَّحُ لِأَنَّ زَوْجَهَا أَبُوهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا أُمُّهُ.
وَالثَّانِي: يَتَسَاوَيَانِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لَوْ انْفَرَدَتْ لَأُلْحِقَ بِهَا فَإِذَا اجْتَمَعَتَا تَسَاوَتَا [ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي] .
(وَمِنْهَا) لَوْ بَاعَ أَمَةً لَهُ مِنْ رَجُلٍ فَوَلَدَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ وَلَدُهُ فَصَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي أَنَّهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْبَائِعِ وَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ﵀ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا وَذَكَره أَبُو بَكْرٍ وَذَكَرَ ذَلِكَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَتَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّهُ ادَّعَى أَنَّهَا وَلَدَتْ فِي مِلْكِهِ وَصَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي عَلَى ذَلِكَ.
(وَمِنْهَا) لَوْ وَلَدَتْ الْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ وَلَدًا لَا يُمْكِنُ إلْحَاقُهُ بِالْمُطَلِّقِ إلَّا بِتَقْدِيرِ وَطْءٍ حَاصِلٍ مِنْهُ فِي زَمَنِ الْعِدَّةِ، فَهَلْ يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ فِي هَذِهِ الْحَالِ أَمْ لَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ أَصَحُّهُمَا لُحُوقُهُ لِأَنَّ الْفِرَاشَ لَمْ يَزُلْ بِالْكُلِّيَّةِ فَإِحَالَةُ الْحَمْلِ عَلَيْهِ أَوْلَى كَحَالَةِ صُلْبِ النِّكَاحِ وَعَلَى هَذَا فَهَلْ يُحْكَمُ بِارْتِجَاعِهَا بِلُحُوقِ النَّسَبِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَصَحُّهُمَا وَهُوَ الْمَنْصُوصُ أَنَّهَا [تَصِيرُ] مُرْتَجَعَةً بِذَلِكَ وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ مَسْأَلَةٌ مُشْكِلَةٌ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالْوِلَادَةِ ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِيهِ وَأَمَّا شَكْلُ تَوْجِيهِهَا عَلَى الْأَصْحَابِ فَقَدْ أَفْرَدْنَا لَهَا جُزْءًا.
(وَمِنْهَا) أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ مِنْ مَالِ الْغَرِيمِ إذَا كَانَ ثُمَّ سَبَبٌ ظَاهِرٌ يُحَالُ الْأَخْذُ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ إذَا كَانَ السَّبَبُ خَفِيًّا، هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فَيُبَاحُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَأْخُذَ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا نَفَقَتَهَا وَنَفَقَةَ وَلَدِهَا بِالْمَعْرُوفِ وَلِلضَّيْفِ إذَا نَزَلَ بِالْقَوْمِ فَلَمْ يُقْرُوهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ بِقَدْرِ قِرَاهُ بِالْمَعْرُوفِ لِأَنَّ السَّبَبَ إذَا ظَهَرَ لَمْ يُنْسَبْ أَخْذُهُ إلَى خِيَانَةٍ بَلْ يُحَالُ أَخْذُهُ عَلَى السَّبَبِ الظَّاهِرِ بِخِلَافِ مَا إذَا خَفِيَ فَإِنَّهُ يُنْسَبُ بِالْأَخْذِ إلَى الْخِيَانَةِ.
(وَمِنْهَا) لَوْ قَالَ فِي مَرَضِهِ أَنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَسَالِمٌ حُرّ وَإِنْ بَرِئْت مِنْهُ فَغَانِمٌ حُرٌّ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يُعْلَمْ هَلْ مَاتَ مِنْ الْمَرَضِ أَوْ بَرِئَ مِنْهُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يُعْتَقُ سَالِمٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ دَوَامُ الْمَرَضِ وَعَدَمُ الْبُرْءِ وَلِأَنَّنَا قَدْ تَحَقَّقْنَا انْعِقَادَ سَبَبِ الْمَوْتِ بِمَرَضِهِ وَشَكَكْنَا فِي حُدُوثِ سَبَبٍ آخَرَ غَيْرِهِ فَيُحَالُ الْمَوْتُ عَلَى سَبَبِهِ الْمَعْلُومِ.
(وَالثَّانِي): يُعْتَقُ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ لِأَنَّ أَحَدَ الشَّرْطَيْنِ وُجِدَ ظَاهِرًا وَجُهِلَ عَيْنُهُ.
(وَالثَّالِثُ) لَا يُعْتَقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَاتَ فِي مَرَضِهِ ذَلِكَ بِسَبَبِ حَادِثٍ فِيهِ مِنْ قَتْلٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَمْ يَمُتْ مِنْ مَرَضِهِ وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ وُجُودُ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرْطَيْنِ.
(وَمِنْهَا) لَوْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ سُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَوُجِدَتْ حَافِظَةً لَهَا وَتَنَازَعَا هَلْ عَلَّمَهَا الزَّوْجُ فَبَرِئَ مِنْ الصَّدَاقِ أَمْ لَا فَأَيُّهُمَا
1 / 17
يُقْبَلُ قَوْلُهُ.
فِيهِ وَجْهَانِ وَخَرَّجَ عَلَيْهِمَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ﵀ مَسْأَلَةَ اخْتِلَافِهِمَا فِي النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ مُدَّةَ مُقَامِهَا عِنْدَ الزَّوْجِ هَلْ كَانَتْ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ مِنْهَا.
(وَمِنْهَا) لَوْ ادَّعَى صَاحِبُ الزَّرْعِ أَنَّ غَنَمَ فُلَانٍ نَفَشَتْ فِيهِ لَيْلًا وَوُجِدَ فِي الزَّرْعِ أَثَرُ غَنَمِهِ.
قَضَى بِالضَّمَانِ عَلَى صَاحِبِ الْغَنَمِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَجَعَلَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ هَذَا وَأَشْبَاهَهُ مِنْ الْقِيَافَةِ فِي الْأَمْوَالِ وَجَعَلَهَا مُعْتَبَرَةً كَالْقِيَافَةِ فِي الْأَنْسَابِ وَيَتَخَرَّجُ فِيهِ وَجْه آخَرُ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِذَلِكَ.
(وَمِنْهَا) لَوْ تَزَوَّجَ بِكْرًا فَادَّعَتْ أَنَّهُ عِنِّينٌ فَكَذَّبَهَا وَادَّعَى أَنَّهُ أَصَابَهَا وَظَهَرَتْ ثَيِّبًا فَادَّعَتْ أَنَّ ثُيُوبَتَهَا بِسَبَبٍ آخَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَيَتَخَرَّجُ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
(وَمِنْهَا) اللَّوَثُ فِي الْقَسَامَةِ وَمَسَائِلُهُ مَعْرُوفَةٌ.
[الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَة عَشَرَ وُجِدَ سَبَبُ إيجَابٍ أَوْ تَحْرِيمٍ مِنْ أَحَدِ رَجُلَيْنِ لَا يُعْلَمُ عَيْنُهُ]
(الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةَ عَشَرَ): إذَا وُجِدَ سَبَبُ إيجَابٍ أَوْ تَحْرِيمٍ مِنْ أَحَدِ رَجُلَيْنِ لَا يُعْلَمُ عَيْنُهُ مِنْهُمَا، فَهَلْ يَلْحَقُ الْحُكْمُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ لَا يَلْحَقُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْءٌ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ وَلَهَا صُوَرٌ: (إحْدَاهَا) إذَا وَجَدَ اثْنَانِ مَنِيًّا فِي ثَوْبٍ يَنَامَانِ فِيهِ أَوْ سَمِعَا صَوْتًا خَارِجًا وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْ أَيِّهِمَا هُوَ فَفِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ (إحْدَاهُمَا) لَا يَلْزَمُ وَاحِدًا مِنْهُمَا غُسْلٌ وَلَا وُضُوءٌ نَظَرًا إلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَيَقِّنٌ لِلطَّهَارَةِ شَاكّ فِي الْحَدَثِ.
(وَالثَّانِيَةُ): يَلْزَمُهُمَا الْغُسْلُ وَالْوُضُوءُ لِأَنَّ الْأَصْلَ زَالَ يَقِينًا فِي أَحَدِهِمَا فَتَعَذَّرَ الْبَقَاءُ عَلَيْهِ وَتَعَيَّنَ الِاحْتِيَاطُ وَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَى النَّظَرِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ بِمُفْرَدِهِ كَثَوْبَيْنِ أَوْ إنَاءَيْنِ نَجِسَ أَحَدُهُمَا.
(الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ إنْ كَانَ هَذَا الطَّائِرُ غُرَابًا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، وَقَالَ الْآخَرُ إنْ لَمْ يَكُنْ غُرَابًا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَغَابَ وَلَمْ يُعْلَمْ مَا هُوَ.
فَفِيهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَا قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمَا يَبْنِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى يَقِينٍ نِكَاحَهُ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ اخْتِيَارُ الشِّيرَازِيِّ فِي الْإِيضَاحِ وَابْنِ عَقِيلٍ أَنَّهُ تَخْرُجُ الْمُطَلَّقَةُ مِنْهُمَا بِالْقُرْعَةِ.
وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ لِأَنَّ وَاحِدَةً مِنْهُمَا طَلُقَتْ يَقِينًا فَأُخْرِجَتْ بِالْقُرْعَةِ كَمَا لَوْ كَانَتْ الزَّوْجَتَانِ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ احْتِمَالًا يَقْتَضِي وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِهِمَا حُكْمًا كَمَا تَجِبُ الطَّهَارَةُ عَلَيْهِمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَقَدْ أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ
1 / 18
صَالِحٍ، وَحَكَى لَهُ قَوْلَ الشَّعْبِيِّ فِي رَجُلٍ قَالَ لِآخَرَ إنَّك لَحَسُودٌ فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ أَحَسَدَنَا امْرَأَتُهُ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَقَالَ الْآخَرُ نَعَمْ، قَالَ الشَّعْبِيُّ حَنِثْتُمَا وَخَسِرْتُمَا وَبَانَتْ مِنْكُمَا امْرَأَتَاكُمَا جَمِيعًا وَحَكَى لَهُ قَوْلَ الْحَارِثِ أَدَيِّنُهُمَا وَآمُرُهُمَا بِتَقْوَى اللَّهِ ﷿ وَأَقُولُ أَنْتُمَا أَعْلَمُ بِمَا حَلَفْتُمَا عَلَيْهِ، فَقَالَ أَحْمَدُ هَذَا شَيْءٌ لَا يُدْرَكُ أَلْقَاهُمَا فِي التَّهْلُكَةِ فَإِنْكَارُهُ لِقَوْلِ الْحَارِثِ يَدُلُّ عَلَى مُوَافَقَتِهِ لِقَوْلِ الشَّعْبِيِّ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فِيهِمَا.
هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَقَالَ هُوَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ حَلَفَ عَلَى مَا لَمْ يَعْلَمْ صِحَّتَهُ أَوْ مَا لَا تُدْرَكُ صِحَّتُهُ فَيَحْنَثُ كَقَوْلِ مَالِكٍ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ تَعْلِيلُ أَحْمَدَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَى مَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ بِأَنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ لَا تُدْرَكُ وَهَذَا الْقَوْلُ فِيهِ بُعْدٌ لِأَنَّ إيقَاعَ طَلَاقِهِمَا يُفْضِي إلَى أَنْ يُبَاحَ لِلْأَزْوَاجِ مَنْ هِيَ فِي زَوْجِيَّةِ الْغَيْرِ بَاطِنًا، وَفِي إجْبَارِهِمَا عَلَى تَجْدِيدِ الطَّلَاقِ إجْبَارُ الْإِنْسَانِ عَلَى قَطْعِ مِلْكِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَهُوَ ضَرَرٌ بِخِلَافِ إيجَابِ الطَّهَارَةِ عَلَيْهِمَا فَإِنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ وَلَنَا وَجْهٌ آخَرُ بِوُجُوبِ اعْتِزَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا زَوْجَتَهُ حَتَّى يَتَيَقَّنَ الْأَمْرَ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ﵀ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَنَقَلَ حَرْبٌ عَنْ أَحْمَدَ ﵀ أَنَّهُ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَتَوَقَّفَ فِيهَا وَقَالَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا أَقُولَ فِيهَا شَيْئًا وَتَوَقَّفَ عَنْهَا
(الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ أَحَدُهُمَا إنْ كَانَ غُرَابًا فَأَمَتِي حُرَّةٌ وَقَالَ الْآخَرُ إنْ لَمْ يَكُنْ غُرَابًا فَأَمَتِي حُرَّةٌ وَفِيهَا الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الطَّلَاقِ، وَقِيَاسُ الْمَنْصُوصِ هَهُنَا أَنْ يَكُفَّ كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ وَطْءِ أَمَتِهِ حَتَّى يَتَيَقَّنَ فَإِنْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا أَمَةَ الْآخَرِ عَيَّنَ الْمُعْتَقَةَ مِنْهُمَا بِالْقُرْعَةِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِاجْتِمَاعِهِمَا فِي مِلْكِهِ وَإِحْدَاهُمَا عَتِيقَةٌ كَمَا قُلْنَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَأْتَمَّ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مُحْدِثٌ يَقِينًا فَيُنْظَرُ إلَيْهِمَا مُجْتَمِعَيْنِ فِي حُكْمٍ يَتَعَلَّقُ بِاجْتِمَاعِهِمَا.
وَلَيْسَ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ إذَا وَطِئَ اثْنَانِ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ فِي طُهْرٍ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ وَضَاعَ نَسَبُهُ لِفَقْدِ الْقَافَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَأَرْضَعَتْ أُمُّهُ بِلَبَنِهِ وَلَدًا آخَرَ فَإِنَّهُ يَصِيرُ حُكْمُ كُلٍّ مِنْ الصَّغِيرَيْنِ حُكْمَ وَلَدٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّجُلَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَلْ يَجُوزُ عِنْدَنَا أَنْ يَكُونَ لَهُمَا فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ.
[الْقَاعِدَة الْخَامِسَة عَشَر اسْتَصْحَبْنَا أَصْلًا وأعملنا ظَاهِرًا فِي طَهَارَةِ شَيْء أَوْ حِلِّهِ أَوْ حُرْمَتِهِ وَكَانَ لَازِمُ ذَلِكَ تَغَيُّرَ أَصْلٍ آخَرَ يَجِبُ اسْتِصْحَابُهُ]
(الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةَ عَشَر): إذَا اسْتَصْحَبْنَا أَصْلًا وَأَعْمَلْنَا ظَاهِرًا فِي طَهَارَةِ شَيْءٍ أَوْ حِلِّهِ أَوْ حُرْمَتِهِ وَكَانَ لَازِمُ ذَلِكَ تَغَيُّرَ أَصْلٍ آخَرَ يَجِبُ اسْتِصْحَابُهُ أَوْ تَرْكُ الْعَمَلِ بِظَاهِرٍ آخَرَ يَجِب إعْمَالِهِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى ذَلِكَ اللَّازِمِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلِذَلِكَ صُوَرٌ:
1 / 19
مِنْهَا) إذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ فَوَجَدَ فِي ثَوْبِهِ بَلَلًا وَقُلْنَا لَا يَلْزَمُهُ الْغُسْلُ عَلَى مَا سَبَقَ فِيمَا إذَا تَقَدَّمَ مِنْهُ سَبَبُ الْمَذْي فَلَا يَلْزَمُهُ أَيْضًا غَسْلُ ثَوْبِهِ بِحَيْثُ نَقُولُ إنَّمَا سَقَطَ عَنْهُ الْغُسْلُ لِحُكْمِنَا بِأَنَّ الْبَلَلَ مَذْيٌ بَلْ نَقُولُ فِي ثَوْبِهِ الْأَصْلُ طَهَارَتُهُ فَلَا يَنْجُسُ بِالشَّكِّ، وَالْأَصْلُ طَهَارَةُ بَدَنِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْغُسْلُ بِالشَّكِّ فَيَبْقَى فِي كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى أَصْلِهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ عَنْ الشَّرِيفِ أَبِي جَعْفَرٍ وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَنْ لَا تَجُوزَ لَهُ الصَّلَاةُ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ قَبْلَ غَسْلِهِ لِأَنَّا نَتَيَقَّنُ وُجُودَ الْمُفْسِدِ لِلصَّلَاةِ لَا مَحَالَةَ.
(وَمِنْهَا) إذَا لَبِسَ خُفًّا ثُمَّ أَحْدَثَ ثُمَّ صَلَّى وَشَكَّ هَلْ مَسَحَ عَلَى الْخُفِّ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا وَقُلْنَا ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ الْمَسْحِ جَعَلْنَا ابْتِدَاءَهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ وَأَوْجَبْنَا إعَادَةَ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الصَّلَاةِ فِي الذِّمَّةِ.
(وَمِنْهَا) إذَا رَمَى حَيَوَانًا مَأْكُولًا بِسَهْمٍ وَلَمْ يُوَحِّهِ فَوَقَعَ فِي مَاءٍ يَسِيرٍ فَوَجَدَهُ مَيْتًا فِيهِ فَإِنَّ الْحَيَوَانَ لَا يُبَاحُ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ وَالْأَصْلُ تَحْرِيمُهُ حَتَّى يَتَيَقَّنَ وُجُودَ السَّبَبِ الْمُبِيحِ لَهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ نَجَاسَةُ الْمَاءِ أَيْضًا لِحُكْمِنَا عَلَى الصَّيْدِ بِأَنَّهُ مَيْتَةِ، بَلْ يُسْتَصْحَبُ فِي الْمَاءِ أَصْلُ الطَّهَارَةِ فَلَا يُنَجِّسُهُ بِالشَّكِّ ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُصُولِهِ
(وَمِنْهَا) لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ فِي غَضَبٍ اعْتَدِّي وَظَهَرَتْ مِنْهُ قَرَائِنُ تَدُلُّ عَلَى إرَادَتِهِ التَّعْرِيضَ بِالْقَذْفِ أَوْ فَسَّرَهُ بِالْقَذْفِ فَإِنَّهُ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ اقْتَرَنَ بِهَا غَضَبٌ وَهَلْ يُحَدُّ مَعَهَا ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُفْرَدَاتِ احْتِمَالَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا): وَبِهِ جَزَمَ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ أَنَّهُ يُحَدُّ ; لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ عَلَيْهِ فَلَا يُصَدَّقُ فِيمَا الطِّبْرِسِ حدا مِنْهُمَا.
(وَالثَّانِي): لَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَذْفًا لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا لِتَنَافِيهِمَا وَمِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ الْأَحْكَامُ الَّتِي يَثْبُتُ بَعْضُهَا دُونَ بَعْضٍ كَإِرْثِ الَّذِي أَقَرَّ بِنَسَبِهِ مَنْ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِقَوْلِهِ وَالْحُكْمُ بِلُحُوقِ النَّسَبِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ لَا يَثْبُتُ فِيهَا لَوَازِمُهُ الْمَشْكُوكُ فِيهَا مِنْ بُلُوغِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ وَاسْتِقْرَارِ الْمَهْرِ أَوْ ثُبُوتِ الْعِدَّةِ وَالرَّجْعَةِ أَوْ الْحَدِّ أَوْ ثُبُوتِ الْوَصِيَّةِ لَهُ أَوْ الْمِيرَاثِ وَهِيَ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ.
[الْقَاعِدَةُ السَّادِسَة عَشْر إذَا كَانَ الْوَاجِبُ بَدَلًا فَتَعَذَّرَ الْوُصُول إلَى الْأَصْلِ حَالَةَ الْوُجُوبِ]
(الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةَ عَشَرَ): إذَا كَانَ الْوَاجِبُ بَدَلًا فَتَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَى الْأَصْلِ حَالَةَ الْوُجُوبِ، فَهَلْ يَتَعَلَّقُ الْوُجُوبُ بِالْبَدَلِ تَعَلُّقًا مُسْتَقِرًّا بِحَيْثُ لَا يَعُودُ إلَى الْأَصْلِ عِنْدَ وُجُودِهِ لِلْمَسْأَلَةِ صُوَرٌ عَدِيدَةٌ: (مِنْهَا) هَدْيُ الْمُتْعَةِ إذَا عَدِمَهُ وَوَجَبَ الصِّيَامُ عَلَيْهِ ثُمَّ وَجَدَ الْهَدْيَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ، فَهَلْ يَجِبُ
1 / 20
عَلَيْهِ الِانْتِقَالُ أَمْ لَا يَنْبَنِي عَلَى الِاعْتِبَارِ فِي الْكَفَّارَاتِ بِحَالِ الْوُجُوبِ أَوْ بِحَالِ الْفِعْلِ فِيهِ رِوَايَتَانِ فَإِنْ قُلْنَا بِحَالِ الْوُجُوبِ صَارَ الصَّوْمُ أَصْلًا لَا بَدَلًا وَعَلَى هَذَا فَهَلْ يُجْزِئُهُ فِعْلُ الْأَصْلِ وَهُوَ الْهَدْيُ؟ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنَّمَا سَقَطَ رُخْصَةً، وَحَكَى الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ.
(وَمِنْهَا) كَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ وَنَحْوِهِمَا وَالْحُكْمُ فِيهِمَا كَهَدْيِ الْمُتْعَةِ.
(وَمِنْهَا) إذَا أَتْلَفَ شَيْئًا لَهُ مِثْلٌ وَتَعَذَّرَ وُجُودُ الْمِثْلِ وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ ثُمَّ وَجَدَ الْمِثْلَ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَجَبَ أَدَاءُ الْمِثْلِ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ أَدَاءِ الْبَدَلِ فَيَلْزَمُهُ كَمَا إذَا وَجَدَ الْمَاءَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُمْ عَلَى مَا إذَا قَدَرَ عَلَى الْمِثْلِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ ثُمَّ عَدِمَهُ إمَّا إنْ عَدِمَهُ ابْتِدَاءً فَلَا يَبْعُد أَنْ يَخْرُجَ فِي وُجُوبِ أَدَاءِ الْمِثْلِ خِلَافٌ، وَأَمَّا التَّيَمُّمُ فَلَا يُشْبِهُ مَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُ لَبَطَلَ وَوَجَبَ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ بِنَصِّ الشَّارِعِ وَهَاهُنَا لَوْ أَدَّى الْقِيمَةَ لَبَرِئَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ أَدَاءُ الْمِثْلِ بَعْدَ وُجُودِهِ.
وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ عَلَى الْأَظْهَرِ وَهُوَ يَشْعُرُ بِخِلَافٍ فِيهِ.
(وَمِنْهَا) لَوْ جَعَلَ الْإِمَامُ لِمَنْ دَلَّهُ عَلَى حِصْنٍ جَارِيَةً مِنْ أَهْلِهِ فَأَسْلَمَتْ بَعْدَ الْفَتْحِ أَوْ قَبْلَهُ وَكَانَتْ أَمَةً فَإِنَّهُ يَجِبُ لَهُ قِيمَتُهَا إذَا كَانَ كَافِرًا لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ تَسْلِيمُ عَيْنِهَا إلَيْهِ فَوَجَبَ لَهُ الْبَدَلُ فَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ إسْلَامِهَا، فَهَلْ يَعُودُ حَقُّهُ إلَى عَيْنِهَا فِيهِ؟ لِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَعُودُ لِأَنَّ حَقَّهُ اسْتَقَرَّ فِي الْقِيمَةِ فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى غَيْرِهَا.
وَالثَّانِي: بَلَى لِأَنَّهُ إنَّمَا اُنْتُقِلَ إلَى الْقِيمَةِ لِمَانِعٍ وَقَدْ زَالَ فَيَعُودُ حَقُّهُ إلَيْهَا.
(وَمِنْهَا) لَوْ أَصْدَقَهَا شَجَرًا فَأَثْمَرَتْ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَامْتَنَعَتْ مِنْ دَفْعِ نِصْفِ الثَّمَرَةِ مَعَ الْأَصْلِ تَعَيَّنَتْ لَهُ الْقِيمَةُ فَإِنْ قَالَ أَنَا أَرْجِعُ فِي نِصْفِ الشَّجَرَةِ وَأَتْرُكُ الثَّمَرَةَ عَلَيْهَا أَوْ أَتْرُكُ الرُّجُوعَ حَتَّى تَجُدِّي ثَمَرَتَك ثُمَّ أَرْجِعُ فِيهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ
(أَحَدُهُمَا): لَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ ذَلِكَ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ انْتَقَلَ مِنْ الْعَيْنِ فَلَمْ يَعُدْ إلَيْهَا إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا.
(وَالثَّانِي): يُجْبَرُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهَا فَلَزِمَهَا كَمَا لَوْ وَجَدَهَا نَاقِصَةً فَرَضِيَ بِهَا فَعَلَى هَذَا الْحَقُّ بَاقٍ فِي الْعَيْنِ وَالطِّمْرِسُ فِي مِلْكِهَا وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمُجَرَّدِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَأْخُذْ الْقِيمَةَ حَتَّى قُطِعَ الطَّلْعُ وَعَادَ النَّخْلُ كَمَا كَانَ أَنَّ لِلزَّوْجِ الرُّجُوعَ فِي نِصْفِهِ.
(وَمِنْهَا) لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَدْ بَاعَتْ الصَّدَاقَ فَلَمْ يَأْخُذْ نِصْفَ قِيمَتِهِ حَتَّى فُسِخَ الْبَيْعُ لِعَيْبٍ.
قَالَ الْأَصْحَابُ: لَيْسَ لَهُ أَخْذُ نِصْفِهِ لِأَنَّ حَقَّهُ وَجَبَ فِي الْقِيمَةِ وَلَمْ تَكُنْ الْعَيْنُ [حِينَئِذٍ] فِي مِلْكِهِمَا وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَخْرُجَ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ بِالرُّجُوعِ كَالَّتِي قَبْلَهَا وَهَذَا إذَا لَمْ نَقُلْ إنَّهُ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ قَهْرًا كَالْمِيرَاثِ فَإِنْ قُلْنَا يَدْخُلُ قَهْرًا عَادَ حَقُّهُ إلَى الْعَيْنِ بِعَوْدِهَا إلَيْهَا وَلَا يُقَالُ هَذَا عَادَ إلَيْهَا مِلْكًا جَدِيدًا فَلَا يَسْتَحِقُّ الرُّجُوعَ فِيهِ كَمَا لَا يَسْتَحِقُّ الْأَبُ الرُّجُوعَ فِيمَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الِابْنِ ثُمَّ عَادَ، لِأَنَّهُمْ
1 / 21
قَالُوا لَوْ عَادَ إلَيْهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ لَرَجَعَ فِيهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ لِأَنَّ حَقَّهُ فِيهِ ثَابِتٌ بِالْقُرْآنِ.
وَفِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِأَبِي الْبَرَكَاتِ مَا يَدُلُّ عَلَى عَكْسِ مَا ذَكَرْنَا وَهُوَ أَنَّا إنْ قُلْنَا يَدْخُلُ نِصْفُ الْمَهْرِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ قَهْرًا فَلَيْسَ لَهُ الْعَوْدُ إلَى عَيْنِهِ بِحَالٍ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْقِيمَةَ تَقُومُ مَقَامَ الْعَيْنِ عِنْدَ امْتِنَاعِ الرُّجُوعِ فِي الْعَيْنِ فَيَمْلِكُ نِصْفَ الْقِيمَةِ قَهْرًا حِينَئِذٍ، وَلَا يَنْتَقِلُ حَقُّهُ عَنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ
(وَمِنْهَا) لَوْ اشْتَرَى عَيْنًا وَرَهَنَهَا أَوْ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ شُفْعَةٍ أَوْ جِنَايَةٍ ثُمَّ أَفْلَسَ ثُمَّ أَسْقَطَ الْمُرْتَهِنُ أَوْ الشَّفِيعُ أَوْ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ حَقَّهُ فَالْبَائِعُ أَحَقُّ بِهَا مِنْ الْغُرَمَاءِ لِزَوَالِ الْمُزَاحَمَةِ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ، ذَكَرَهُ أَبُو الْبَرَكَاتِ فِي شَرْحِهِ، وَيَتَخَرَّجُ فِيهِ وَجْهٌ خُرَّ أَنَّهُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ.
[الْقَاعِدَةُ السَّابِعَةَ عَشْر تَقَابَلَ عَمَلَانِ ذُو شَرَفٍ فِي نَفْسِهِ وَرِفْعَةٍ وَهُوَ وَاحِدٌ وَالْآخَرُ ذُو تَعَدُّدٍ فِي نَفْسِهِ وَكَثْرَةٍ]
(الْقَاعِدَةُ السَّابِعَةَ عَشَرَ): إذَا تَقَابَلَ عَمَلَانِ أَحَدُهُمَا ذُو شَرَفٍ فِي نَفْسِهِ وَرِفْعَةٍ وَهُوَ وَاحِدٌ، وَالْآخَرُ ذُو تَعَدُّدٍ فِي نَفْسِهِ وَكَثْرَةٍ، فَأَيُّهُمَا يُرَجَّحُ.
ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ تَرْجِيحُ الْكَثْرَةِ وَلِذَلِكَ صُوَرٌ.
(أَحَدُهَا) إذَا تَعَارَضَ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ وَصَلَاةُ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ فَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْكَثْرَةَ أَفْضَلُ، وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى بِالْعَكْسِ وَحُكِيَ عَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ بِالتَّسْوِيَةِ.
(وَالثَّانِيَة) أَهْدَى بَدَنَةً سَمِينَةً بِعَشَرَةٍ وَبَدَنَتَيْنِ بِعَشَرَةٍ أَوْ بِأَقَلَّ قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ قُلْت لِأَحْمَدَ بَدَنَتَانِ سَمِينَتَانِ بِتِسْعَةٍ وَبَدَنَةٌ بِعَشَرَةٍ قَالَ ثِنْتَانِ أَعْجَبُ إلَيَّ.
وَرَجَّحَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ تَفْضِيلَ الْبَدَنَةِ السَّمِينَةِ، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد حَدِيثٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ.
(وَالثَّالِثَةُ) رَجُلٌ قَرَأَ بِتَدَبُّرٍ وَتَفَكُّرٍ سُورَةً وَآخَرُ قَرَأَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ سُوَرًا عَدِيدَةً سَرْدًا.
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي قيماز وَسُئِلَ أَيُّمَا أَحَبُّ إلَيْكَ التَّرَسُّلُ أَوْ الْإِسْرَاعُ، قَالَ: أَلَيْسَ قَدْ جَاءَ بِكُلِّ حَرْفٍ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً؟ قَالُوا لَهُ: فِي السُّرْعَةِ؟ قَالَ: إذَا صَوَّرَ الْحَرْفَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُسْقِطْ مِنْ الْهِجَاءِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي تَرْجِيحِ الْكَثْرَةِ عَلَى التَّدَبُّرِ، وَنَقَلَ عَنْهُ حَرْبٌ أَنَّهُ كَرِهَ السُّرْعَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِسَانُهُ كَذَلِكَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَتَرَسَّلَ، وَحَمَلَ الْقَاضِي الْكَرَاهَةَ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْحُرُوفَ، نَقَلَ عَنْهُ مُثَنَّى بْنُ جَامِعٍ فِي رَجُلٍ أَكَلَ فَشَبِعَ وَأَكْثَرَ الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ وَرَجُلٍ أَقَلَّ الْأَكْلَ فَقَلَّتْ نَوَافِلُهُ وَكَانَ أَكَثَرَ فِكْرَةً أَيُّهُمَا أَفْضَلُ فَذَكَرَ مَا جَاءَ فِي الْفِكْرِ: تَفَكُّرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ قَالَ فَرَأَيْت هَذَا عِنْدَهُ أَكْثَرَ يَعْنِي الْفِكْرَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَفْضِيلِ قِرَاءَةِ التَّفَكُّر عَلَى السُّرْعَةِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ صَرِيحًا عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ.
(وَالرَّابِعَةُ) رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا ارْتَاضَتْ نَفْسُهُ عَلَى الطَّاعَةِ وَانْشَرَحَتْ
1 / 22