فان قلت سلمنا ان المراد من الآيات الآمرة بالحكم بالحق هو ما ثبت حقيته عند كل من الحاكم والمحكوم عليه لكن هذا المقدار أيضا يكفينا لأنا نفرض الكلام فيما لو كان الحاكم والمحكوم مقلدين لمجتهد واحد فيجوز له من الحكم بالحق كما يجوز للمجتهد.
قلت بعد تسليم كون المراد من الآيات المعنى المذكور يكون مساقها مساق أدلة الأمر بالمعروف فقد عرفت أنه يجوز لكل من يتأتى عنه ذلك مجتهدا كان أو مقلدا وهذا مما لا إشكال فيه بل يمكن دعوى الاجماع عليه إنما الكلام في تأثير إلزام المقلد في وجوب الالتزام على الملتزم من غير أن يقتضي تكليفه ذلك كما في المجتهد والحاصل انه قد يجب إلزام الشخص على شئ من جهة اقتضاء تكليفه الالتزام به مع قطع النظر عن الالزام فيكون وجوب الالزام حينئذ متفرعا على وجوب الالتزام وهذا مما يشترك فيه المجتهد والمقلد بل يجب على كل أحد من باب الأمر بالمعروف والالزام بالحق وقد يجب إلزامه بشئ من غير ملاحظة اقتضاء تكليفه ذلك فيكون وجوب التزامه متفرعا على وجوب الالزام المذكور وهذا هو محل النزاع في المقلد فكل من يقول بجواز حكم المقلد فلا بد من أن يثبت وجوب الالتزام بإلزامه وإن لم يقتضه تكليف الملزم (الملتزم خ) ومعلوم انه لا يكفيه تلك الآيات لأن مفادها وجوب الالزام فيما اقتضى تكليف الملتزم الالتزام به مع قطع النظر عن الالزام المذكور حسبما عرفت من كون المراد بالحق منها هو ما كان حقا عند المحكوم عليه أيضا.
نعم لو صدر هذا الالزام عن التزام (الالزام خ) بما ثبت حقيته عند المحكوم عليه من المجتهد كان حكما أي لا بد من أن يترتب عليه آثار الحكم لما قد دل من جوب الالتزام بإلزامه مطلقا سواء اقتضاه تكليف الملتزم أم لا فالالتزام بالالزام المذكور وان اقتضاه نفس تكليف الملتزم أيضا إلا أن هذه الجهة غير ملحوظة إذا كان الملزم هو المجتهد لما قد دل على وجوب الالتزام بالزامه مطلقا فالحيثيتان وإن اجتمعتا في محل واحد إلا أن المناط فيهما مختلف وأما لو صدر من المقلد فلا يكون حكما بمعنى ان يجب عليه ترتيب آثار الحكم لعدم دليل يدل على وجوب الالتزام بإلزامه مع قطع النظر عن اقتضاء التكليف وإن شئت قلت إن هنا شيئين أحدهما جواز الالزام والحكم للمقلد ثانيهما وجوب ترتيب الأثر عليه وصحته ونفوذه أما الأول فلا يجوز له إلا إذا كان الملتزم به حقا أي اقتضاه تكليف الملتزم مع قطع النظر عن إلزامه ولا يجوز في غيره وأما الثاني فيتوقف على اثبات كون إلزام المقلد بمجرده وإن لم يقتضه تكليف الملزم (الملتزم خ) مؤثرا في وجوب الالتزام وقد عرفت أن الآيات قاصرة عن إفادة ذلك حيث إن قضية ظاهرها كما عرفت هو وجوب الالزام فيما لو كان الملزم به حقا عند المحكوم عليه وما نحن بصدد اثباته ونفيه في المقام هو الثاني وأما الأول فيدل على جوازه للمقلد فيما لو كان الملزم به حقا عند الملتزم كل ما دل على حسن الأمر بالمعروف من الأدلة الأربعة هذا وثالثا نسلم دلالتها على وجوب الالزام بالحق وإن لم يكن ثابتا عند المحكوم عليه لكن نقول بلزوم تقييدها بما دل من الآيات والاخبار التي قد تقدم إلى شطر منها الإشارة على كون القضاء من مناصب الخليفة وغصنا من شجرة رياستها العامة وبعبارة أخرى مقتضى التمسك بتلك الآيات هو كون القضاء حكما شرعيا واجبا على كل أحد ومقتضى غيرها من الآيات والاخبار هو كونه من المناصب العامة للإمام (عليه السلام) محتاجا إلى الاذن منه فبينهما تناف فلا بد من أن يرجع إذا إلى ما دل على الاذن في زمان الغيبة من قبل الإمام (عليه السلام) وانه هل يشمل المقلد أو يختص بالمجتهد فيرجع إلى الأمر الثالث وسيجئ ما عليه من الكلام فلا مناص للاستدلال بالآيات أصلا كما لا يخفى ثم إنه يظهر بما ذكرنا في الآيات حال التمسك بالأخبار الواردة بهذا المضمون فلا نحتاج إلى تطويل في المقال وأما الأمر الثاني ففيه مضافا إلى أخصية تلك الأدلة
Page 6