Oedipus And Theseus
أوديب وثيسيوس: من أبطال الأساطير اليونانية
Genres
وقد يكون مما تمتاز به قصة أندريه جيد من القصص الأخرى التي حاولت تجديد القصة اليونانية أنها لم تقف عند قصة أوديب ملكا، ولكنها ألمت من قريب جدا بالقصة الثانية التي وضعها سوفوكل، وهي قصة أوديب في كولونا.
وكان إلمامها بهذه القصة رائعا حقا، لا أكاد أعرف شيئا يشبهه في جمال الإيجاز ودقته وكفايته، بحيث يستطيع قارئ هذه القصة أن يستوعب أمر أوديب كله في غير مشقة ولا جهد.
فقصة أوديب ملكا تنتهي حين تموت جوكاست، ويعاقب أوديب نفسه، ويعلن أنه سيهاجر من وطنه. وقد رضي كريون عن هذه الهجرة، وابتهج بها الشعب، وسكت عنها ابنا أوديب الطامعان في الملك اللذان اتفقا قبل أن يمتحن أبوهما على أن يكون الملك دولة بينهما، وأزمعت أنتيجون أن تصحب أباها في منفاه، وقررت إسمين أن تلحق بهما بعد قليل.
ولكن الكاهن يعلن فجأة أن الآلهة قد أوحوا إليه أنهم يصلون البركة بشخص أوديب ويكتبونها للأرض التي يدفن فيها بعد موته، وإذا كل شيء يتغير إلا رأي أوديب، فكريون يطلب إليه البقاء ملحا في طلبه، والشعب يطلب إليه البقاء متملقا مترضيا، ولكن أوديب يسخر من إلحاح كريون، وتملق الشعب، وتوسل الكاهن، ويمضي إلى منفاه ساخرا من هؤلاء جميعا.
وفي هذا الحوار القصير اليسير يوجز أندريه جيد خير ما في القصة اليونانية الثانية بحيث يخرج القارئ من قصة أندريه جيد وقد عرف من أمر أوديب كل شيء: عرف بدء القصة وخاتمتها، وعرف مكر الآلهة وغرور أوديب، وعرف المحنة والمقاومة، ثم عرف عفو الآلهة وانتصار الإنسان.
4
والظاهر أن أندريه جيد قد فكر في قصة أوديب قبل أن يحاول إنشاءها بوقت طويل؛ فهو معني بأساطير اليونان، يطيل التفكير فيها والحديث عنها، ويلفته إليها بنوع خاص أنها مهما تكثر فيها الأعاجيب وخوارق العادات ومخالفة المألوف من قوانين الطبيعة تنتهي دائما إلى شيء من المنطق يردها إلى العقل، وإلى ما يحمل العقل على التروية والتفكير فيما يفسر حياة الإنسان، أو يتصل بمصيره أو بموقفه من القضاء.
نراه يكتب في ذلك بعيد انتهاء الحرب العالمية الأولى سنة 1919.
ثم نراه ينشئ قصة أوديب نحو سنة 1930، فإذا كانت الحرب العالمية الثانية، وهاجر إلى أفريقية الشمالية، نراه ينشئ قصته الثانية التي نترجمها مع قصة «أوديب»؛ وهي قصة «ثيسيوس». وهو ينبئنا في إهداء هذه القصة بأنه كان يفكر في كتابتها منذ زمن طويل.
والواقع أنه يتحدث عن ثيسيوس وأسطورته في مقاله الذي أشرت إليه آنفا، والذي كتب سنة 1919. فهو إذن يفكر في هذه القصة الثانية قبل أن يكتبها بأكثر من عشرين سنة.
Unknown page