Nushu Lugha Carabiyya

Anastas Karmali d. 1366 AH
108

Nushu Lugha Carabiyya

نشوء اللغة العربية ونموها واكتهالها

Genres

ويدعي بعض الأعضاء المحترمين أن الوضع الجديد لا يؤثر في أبناء هذا العصر الذي نشأ على فساد اللغة، فاستعذب الكلام الفاسد؛ إنما يظهر أمره في الأجيال الآتية من أبنائنا الذين في أصلاب آبائهم اليوم.

فجوابا عن ذلك نقول إن الألفاظ الحديثة، إن لم تجمع في نفسها المزايا التي تخلدها، فإنها تكون من قبيل المخلوقات المشوهة الشاذة النادة عن سنن الطبيعة، فإنها لا تولد إلا لتموت، ولا توضع إلا لتكون أعظم دليل على إثبات هذه الحقيقة، وهي «لا يعمر ولا يخلد في الكون إلا من أوتي مزايا الخلود دون غيرهم.»

وكذلك يقال عن الكلم، فكل كلمة عربية غريبة في أصولها أو صيغتها أو تركيبها، أو ثقيلة الاستعمال على اللسان أو على السمع أو على الذوق، أو شنيعة الأحرف، فإنها تولد للموت لا للحياة ولا للتعمير، فكيف للخلود؟

ونحن نبين هذه الحقيقة بسرد طائفة من الكلم التي وصلت إلينا من السلف، ولم يفدها أدوية أطباء اللغة، ولا معالجتهم إياها بالمقويات ولا باللعوقات ولا بالمصول، ولا ... ولا ... ولا ... لأنها عبرت وغبرت مع من أدبر، ولم يبق منها إلا سوء الذكرى والعقبى! (4) مقابلة بين الألفاظ الحية الخالدة وبين المائتة البائدة

أحسن دليل على ما بيناه إلى الآن المعارضة بين الكلم الحية الخالدة وبين المائتة البائدة، فإنها تطبع في ذهننا حقيقة لا يمحوها كل رأي يخالف رأينا، ولو دعموه بكل أخذة أو رقية أو طلسم. (1)

هذه كلمة «باذنجان»، فليس في العربي لفظة أفشى انتشارا فيه ولا أعرف منها، وقد جاءتنا من جيراننا الفرس الأقدمين، فحاول السلف مرارا خنقها ووأدها وهي في مهدها، فما زادوها إلا تعميما وانتشارا وبثا بين كل ناطق بالضاد، وعوضا من أن يقضوا عليها القضاء المبرم، زادوها حياة ونشاطا وسريانا وانتشارا بين الناس، لا بل عمد بعضهم إلى عمل في منتهى القسوة أنهم لم يثبتوها في معاجمهم؛ ليلجئوا الجميع إلى عدها من حوشي اللفظ، أو من العربي المستهجن، ولهذا لا تجدها في القاموس، ولا في تاج العروس، ولا في المصباح، ولا في مختاره، ولا في أساس البلاغة، ولا في كثير من كتب متون اللغة؛ خوفا من أن ينبشها أحدهم ويعيدها إلى الوجود.

ومن الغريب أنهم لم يحتاطوا لأنفسهم كل الاحتياط؛ لأنهم لما ذكروا ما يقابلها في العربية المبينة شرحوه بقولهم «الباذنجان» فجاء عملهم هذا خداجا مضحكا، والآن اذهب بنفسك إلى العراق، ومنه إلى سورية، ففلسطين، فلبنان، فديار وادي النيل، فطرابلس، فالسودان، فلبوة، فالجزائر، فالمغرب الأقصى، فإلى جميع الربوع التي ينطق أهلها بلسان معد وعدنان، فإنك لا تسمع إلا «الباذنجان»، ولا يعرفون المغد، ولا الوغد، ولا الحدق، أو الحذق، ولا الحيصل ولا الكهكب أو الكهكم أو القهقب، ولا الأنب، ولا الشرجيان، ولا الأنفحة، ولا ... ولا ... ولا سواها. (2)

المسك: وليس الباذنجان وحده هو الذي نال هذا التفوق على سائر إخوته، بل ثم عشرات من الألفاظ، وربما مئات منها، شاع دخيلها ونسي أصيلها، أو ذاع دخيلها ونسي سواه من كلام المتفصحين، هذه كلمة «المسك»، فإنها انتقلت من الفارسية إلى لغتنا، ومنها إلى ما يقارب جميع لغات العالم المتحضر، مع أن في لغتنا الفصحى ما يقوم مقامه، وهو «المشموم»، وهل يمكن أن يقوم مقامه حقيقة، أفلا يصعب علينا أن نعبر عن قولنا: «مسك» بمعنى «طببه بالمسك»، وهذا دواء ممسك، وثياب ممسكة؟ وكيف يعبر عن قوله:

ختامه مسك ؟ (3)

وهل بلغك الخبر أن «البورق» هو «الحكاك» وزان غراب؟ (4)

Unknown page