آثار علمية فلسفية وأدبية نشرت في حياة أرسطاطاليس، ويخيل إلينا - وهو رأي كثير من المحدثين - أنها إنما جمعت وألفت تحت إشرافه وملاحظته، وقد كان يقصد منها نشر العلم وإذاعته من جهة، والإعداد لعمل علمي محقق من جهة أخرى، وقد ضاعت كل هذه الآثار ولم يبق منها إلا النذر اليسير. (3)
آثار مختلفة في العلم والفلسفة والأدب كان الغرض منها وضع مجموعة علمية منقحة، قد وصل فيها التحقيق إلى أقصى ما كان يمكن أن يصل إليه من التمحيص، وقد بقي لنا كثير من هذه الآثار، ولعل كل ما في أيدينا من كتب أرسطاطاليس إنما هو من هذا القسم.
غير أن هذه المجموعة لم تكن قد وصلت إلى شكلها الأخير، وإنما كان أرسطاطاليس يعد لها المعدات فيقيد خواطره وآراءه في كل فصل من فصول العلم الذي كان يريد تنقيحه وتلخيصه، ثم مات قبل أن يلقي عليها نظرته الأخيرة.
وهذا مع عبث النساخ وسوء فهمهم هو مصدر ما نجد فيها من الغموض والاضطراب في كثير من الأحيان.
إذن فقد انقسمت كتب أرسطاطاليس إلى قسم عام، وهو ما كان يسمى إكسوتيريكوس؛ أي القسم الذي إنما كان يراد به الجمهور المستنير، وإلى قسم خاص إيسوتيريكوس؛ أي القسم الذي كان يؤلف لأعضاء المدرسة والعاملين فيها من طلاب الفلسفة الذين وقفوا حياتهم عليها.
وهذا القسم الثاني قد انقسم إلى قسمين بمقتضى انقسام فلسفة أرسطاطاليس نفسها: قسم نظري وقسم عملي.
ذلك أن أرسطاطاليس كان يرى أن موضوع الفلسفة يجب أن يشمل كل شيء؛ لأن الغرض منها إنما هو العلم الصحيح بالكائن من حيث هو كائن، ولم يكن يرى رأي أفلاطون من حصر الفلسفة في العلم بالكائن من حيث هو سبيل إلى الخير، إنما كان رأيه أشمل من ذلك وأعم، فكل شيء موجود سواء كان محسا أو غير محس، وسواء أكان من العالم الطبعي أو الاجتماعي أو الخلقي، نقول: كل شيء موجود كان عند أرسطاطاليس صالحا ليكون موضوعا للبحث؛ لأن أرسطاطاليس كان يرى في هذا العالم كلا متماثل الأجزاء متناسبها، ليس من سبيل إلى أن يعرف بعضه إلا إذا عرف بعضه الآخر.
فكان يريد أن تكون فلسفته صورة صادقة لهذا العالم الذي تدرسه وتبحث عنه، وهذه فكرة ليس من شك في أن أرسطاطاليس مبتكرها، وفي أنها قد كانت ولا تزال مطمع كثير من الفلاسفة الذين يفرضون أن لهذا العالم على اختلاف ما فيه من صور وحدة يجب على الفلسفة أن تحققها وتمثلها تمثيلا صحيحا.
وليس ما بذله أوجوست كونت من الجهد العظيم في أوائل القرن التاسع عشر إلا محاولة لتحقيق هذه الوحدة في فلسفته الوضعية.
عجز أفلاطون عن إثبات هذه الوحدة؛ لأنه لم يكد يفترض فرضه الأساسي من أن لكل موجود خارجي مثالا معنويا هو صورته الحقيقية حتى استرسل مع خياله القوي الخصب فترك هذه الأشياء الخارجية المحسة وتبع مثله المعنوية، فأخذ يقيم منها قصورا في الهواء، وقضى بذلك على قسم عظيم من فلسفته بالعقم وعدم الإنتاج.
Unknown page