Niswiyya Wa Falsafat Cilm
النسوية وفلسفة العلم
Genres
وحجتها أن كل هذا قاصر على طبقة الحراس، وأن النساء من الطبقة الدنيا ظللن كما هن، وسوف يحتفظ الزراع والعمال بملكية الأرض والمنزل والمرأة، كما أن المرأة لم تشارك بشخصها أو برأيها في محاورات أفلاطون، وهو في النهاية جرى على نهج الثقافة الذكورية السائدة في عصره واعتبر النساء جزءا من الملكية،
11
وأصبحن مشاعا في اللحظة التي أصبحت فيها الممتلكات الأخرى مشاعا، فضلا عن أن الأسرة عادت في محاورة القوانين، فعادت المرأة إلى التراجع والأدوار الثانوية في الحياة.
12
ويذهب فؤاد زكريا إلى أبعد من ذلك، إلى أن أفلاطون لم يرم إلى تحرير المرأة، بل فقط أراد لها أن تكتسب أوصافا رجولية وتختلط بالرجال كواحد منهم (الحرب، الرياضة، العري)، كما أنه جرد العلاقة الجنسية من أية مشاعر أو أبعاد شخصية، وجعلها مسألة تناسلية فحسب في أوقات تحددها الدولة، وعلى المرأة أن تقبل عن طيب خاطر أن تكون مجرد وسيلة لمكافأة محاربين شجعان بمزيد من الممارسات الجنسية، هذا فضلا عن أن الجمهورية وغيرها من محاورات أفلاطون تحفل بإشارات تنم عن أن الحب الحقيقي عنده هو حب الجنسية المثلية الذي كان شائعا في المجتمع الإغريقي، كنتيجة طبيعية لإفراط هذا المجتمع في الذكورية وفي تحقير المرأة، فلم يكن مسموحا لها بأي عمل أو استقلال اقتصادي، أو اقتراع أو أية مشاركة في الحياة السياسية أو العامة، وكان محجوبا عنها كل فرص التعليم والترقي، ولا تتلقى من التدريبات إلا ما يؤهلها لواجبات خدمة الزوج وتربية الصغار، وينتهي فؤاد زكريا من هذا إلى أن أفلاطون أراد أن يجعل من المرأة رجلا لأنه يكره النساء، ونزوعا منه إلى الجنسية المثلية.
13
والحق أن الحضارة الإغريقية كانت تدفع فعلا إلى كراهية المرأة والجنسية المثلية؛ لأنها - خلافا لسابقتها الفرعونية مثلا - أفرطت في الانحطاط بوضعية المرأة إلى أدنى درجة، وبجذور تعود إلى الأصل الأسطوري. فنجد الربات الإناث في الأساطير الإغريقية ولدن من ربة الأرض، وهي من نسل الليل، فارتبطت المرأة في اللاوعي الإغريقي بالظلام وما يدخل فيه ويخرج منه، والظلام بدوره مرتبط بعالم العماء والشواش والفوضى والشر والموت والجحيم، على الإجمال بالعالم السفلي. هكذا ارتبطت المرأة بالشر وليس بالانحطاط فقط. قال يوربيديس إنها شر مستطير. وقال هسيودوس إنها شر جميل. لنجدها في كل حال شرا. وكان تبرير هذا أن المرأة غير قادرة على التحكم في نفسها واتباع الفضيلة، بل لا بد أن تأتمر في هذا بأمر الرجل
14 ... إلى آخر تلك المعزوفة العتيقة التي تكررت في الحضارة الغربية أكثر مما تكررت في سواها من الحضارات.
لكن مع هذا التصوير الحقير والشيطاني للمرأة الذي ساد الحضارة الغربية يصعب اعتبار المسألة برمتها كراهية من أفلاطون للمرأة ونزوعا للجنسية المثلية. ولئن كانت مساواة المرأة بالرجل قاصرة على طبقة الحراس، فإنها طبقة جرى العرف على أنها أخص خصائص الرجال. ولا شك أن أفلاطون نموذج فريد لتفكير يرى أن البطريركية ليست حتما مقضيا لا بديل له، بل هي نظام يمكن تقويضه إذا اقتضت الأمور، والإطاحة تماما بحجتيه، وهما الحتمية البيولوجية وضرورة الأسرة النووية، وليس فقط مراجعة أو تعديل هاتين الحجتين. وطرح أفلاطون المساواة التامة بين الجنسين في التنشئة والعمل والحياة على السواء. أجل عادت الأسرة في محاورة القوانين، لكن إلغاء الأسرة يظل حتى يوم الناس هذا في القرن الحادي والعشرين شططا غير مقبول من الكثيرين، ومن غالبية المتحمسات للنسوية، ولم تكن أبدا شرطا ملازما لتحرير المرأة. الشرط الملازم هو شيء من العدالة بين طرفيها.
لقد كان أفلاطون فيلسوفا يبحث عن العدالة داخل الفرد وداخل الدولة على السواء. وتحفل محاورة «القوانين» بالإشارات التي تؤكد إلى أي حد كان أفلاطون نصير المرأة، يبحث عن حقوق في الزواج المتكافئ والمهر والتعليم، رافضا الحتمية البيولوجية، قائلا بصراحة: «جنس الأنثى قد ترك لأنواع من الفوضى بسبب الإرغام الخاطئ للمشرع، ومن خلال ذلك الإهمال للجنس سمحتم لأشياء كثيرة أن تبطل وتنتهي، وكان يمكن أن تنظم تنظيما أفضل بكثير مما هي عليه الآن.»
Unknown page