Niswiyya Wa Falsafat Cilm
النسوية وفلسفة العلم
Genres
لقد كانت النسوية في الشرق والغرب تهدف إلى نيل المرأة حقوقا مهدرة، وغايتها النهائية شيء من المساواة بينها وبين الرجل.
ومن ثم دأبت النسوية في موجتها الأولى تلك إلى إلغاء أو تهميش الخصائص المميزة للأنثى، أو الزعم بأنها ثانوية فلا تعوق حصول المرأة على حقوق وواجبات الرجل. الثقافة الذكورية السائدة جعلت الرجل هو المعيار الطبيعي للأشياء والنموذج المطروح للإنسان، ونيل المرأة حقوقا عامة مقترن بمدى اقترابها من هذا النموذج الذكوري وإثبات أنها قادرة وكفء مثل الرجل. كانت علامة نجاح المرأة أن تتخلص من عائق أنوثتها، وتتماهى مع الرجل فيقال إنها كالرجل تماما، تسليما بأن الأنوثة قصور وضعف. أقصى مديح يكال لماري كوري مثلا أنها امرأة بعقل رجل. وما زالت صورة نبوية موسى ماثلة وهي ترتدي سترة الرجل ورابطة عنقه، برغم حرصها على الزي الإسلامي للمرأة!
أهم ما نلاحظه أن الموجة النسوية الأولى لم يكن لها أطر فكرية تتجاوز حجج المطالبة بحقوق النساء ومساواتهن. على العموم أخذت الحرب العالمية الأولى في خنادقها الرجال من أنحاء أوروبا، واضطرت المرأة إلى النزول لمواقع العمل التي خلت منهم وأدته على أكمل وجه، فيما يمكن اعتباره حسما للجدل في الفكر الغربي، وظفرت المرأة بحقوق الانتخاب والمواطنة في إنجلترا ونيوزيلندة وأمريكا والاتحاد السوفيتي ... إلخ، وبدا الطريق ممهدا لكي تناله في البقاع الأخرى. وارتفع حق تعليم المرأة كمثال أعلى في أنحاء شتى من العالم بدرجات متفاوتة. ومع عشرينيات القرن العشرين كانت النسوية قد حققت كثيرا من أهدافها، مثلما شهد العام 1926 الإعلان عن انتهاء العبودية في العالم. ودخلت الحركة النسوية في مرحلة كمون وهدوء نسبي، خصوصا وأن العالم الغربي منشغل آنذاك ببوادر الحرب العالمية الثانية المقبلة، ويواجه الكفاح الباسل ضد الاستعمار الممهد لحركات التحرر القومي في العالم الثالث. (7) الموجة النسوية الثانية
ظلت الحركة النسوية في هدوئها النسبي حتى انفجرت في الستينيات موجتها الثانية بفعل العوامل الموارة آنذاك، فتصف جولييت ميتشيل
J. Mitchall
هذه الموجة الثانية بأنها وليد أيديولوجي لظروف اقتصادية واجتماعية معينة، ظروف تجسدت في زوال الاستعمار ونجاح حركات مناهضة التمييز العنصري واشتداد عود الليبرالية الأمريكية؛ التي تدعو إلى المساواة في الحقوق المدنية وإتاحة الفرص للجميع، وتعالي الأصوات المناهضة لحرب فيتنام، وثورة الطلاب الشهيرة في فرنسا وأنحاء من أوروبا وأمريكا، التي شهدت مظاهرة لحرق الكعوب العالية ومشدات الصدور والثورة ضد مسابقات ملكات الجمال، وسائر ما يقبر المرأة في أنوثتها. وكما هو معروف عد هربرت ماركوز
H. Marcuse (1898-1979) المهاجر إلى أمريكا فيلسوف هذه الثورة، وهو سليل مدرسة فرانكفورت التي أعملت المنهاج الماركسي في نقد حاد للحضارة الغربية ومجتمعاتها الرأسمالية وإبراز عيوبها، وتعد من تمثيلات ما بعد الحداثة.
30
لقد أجادت النسوية الجديدة تمثل وتمثيل لحظتها التاريخية أو موقفها الحضاري، موقف ما بعد الحداثة
post-modernism
Unknown page