Niswiyya Wa Falsafat Cilm
النسوية وفلسفة العلم
Genres
إذا أخذنا في الاعتبار أن آراء جون لوك
J. Lock (1632-1714) بالذات، وهو الأب الروحي لليبرالية - الذي كان يستثمر الجانب الأكبر من نقوده في شركة لتجارة العبيد! - لا تختلف جوهريا عن آراء روسو، حتى أكد أن خضوع النساء لأزواجهن شيء أساسي ومطلق في الطبيعة لا علاقة له بالمتغيرات الاجتماعية، وأن جمهرة من رفاقه شاركوه في هذا، أدركنا أن الليبرالية ليست في حد ذاتها فلسفة نسوية.
ولكن لا مندوحة عن الاعتراف بأن تبلور ونضج وعلو الليبرالية في القرن التاسع عشر عمل على فتح أبواب هذا القرن للحركة النسوية. ومهما ارتفعت راية الانفصال بين الأسرة والدولة، فإن الليبرالية حين قوضت السلطة البطريركية في حكم الدولة ألقت بظلال هذا على الطبيعة البطريركية للمجتمع. هذا فضلا عن دفاع الليبرالية عن الحرية وحق التعليم والتنافس وإطلاق إمكانيات الذات الفردية وتشارك أفراد المجتمع في الحقوق والواجبات. هكذا باتت الأجواء مواتية أكثر لزعزعة الحتمية البيولوجية المفروضة على المرأة والمناداة بأن وضعها المتدني نتيجة لحرمانها من التعليم والتثقيف وفرص إثبات الذات ونشدان الهوية.
ها هنا أتى فيلسوف الليبرالية بامتياز وفيلسوف العلم والمنهج الاستقرائي الأول في عصره، وهو جون ستيوارت مل
J. S. Mill (1806-1873) ليكون بلا جدال أبرز رائد فلسفي للنسوية في موجتها الأولى المنطلقة آنذاك. أجل كانت ثمة كتابات كثيرة في تلك الآونة تمهد للنسوية وتزكيها، لعل أهمية كتاب وليم طومسون العام 1852 «استئناف نصف الجنس البشري (أي النساء) ضد ادعات النصف الآخر (أي الرجال)»، وفيه يرد طومسون على دعاوى جيمس مل - والد جون ستيوارت مل - المطروحة في كتابه «مقال عن الحكم»، حيث ينكر جيمس مل حاجة النساء والطبقة العاملة إلى حق التصويت الانتخابي؛
16
لأن مصالحهن مدرجة مع مصالح أزواجهن ومصالح الطبقة العاملة مدرجة مع مصالح أصحاب العمل. وكان أسهل رد على هذا أن مصالح العبيد أيضا مدرجة مع مصالح سادتهم. والحق أن جيمس مل وصديقة جيرمي بنتام أستاذ جون ستيوارت مل - وثلاثتهم ليبراليون طبعا ومن أقطاب المذهب النفعي الذي يرى الخير هو تحقيق أكبر قدر من المنفعة لأكبر عدد من الناس - وأقرانهما النفعيين كانوا يميلون إلى إعطاء المرأة حقوقا، وكانت جريدة «وستمنستر ريفيو» المتحدثة بلسان المذهب النفعي منبرا للدفاع عن الحركة النسوية التي اشتد ساعدها آنذاك. لكن جيمس مل وجيرمي بنتام رأيا أن الأجواء ليست مواتية بعد لمنح المرأة حق التصويت بالذات، فكان رد وليم طومسون المذكور عليهما.
في هذه الحقبة الموارة، في أواسط القرن التاسع عشر، كان أمثال طومسون كثيرين. ولكن منذ أفلاطون لم يتبن أبدا فيلسوف بحجم جون ستيوارت مل قضية المرأة مؤكدا مثله أن الخير واحد للرجل والمرأة على السواء، وبمثل حماسه المتقد في كتابه «استعباد النساء» الذي يمكن اعتباره مانفستو
17
الحركة النسوية والنص النسوي الرائد بكل المعايير وقبل ظهور مصطلح النسوية ذاته. كتب جون ستيوارت مل كتابه «استعباد النساء» العام 1861، ولم ينشره إلا عام 1869، بعد ظهور كتابه الأكبر «في الحرية» بعشر سنوات.
Unknown page