Mushilat Maca Ghuraba
مشكلات مع الغرباء: دراسة في فلسفة الأخلاق
Genres
14
وبذلك يفصل مفهوم السرور أو اللذة عن أتباع مذهب اللذة الشخصية، فالخير ليس في مجرد ما يشعرني بالرضا وإن كان الشعور بالرضا أصيلا فيه.
هتشسون إذن هو المثال الأكثر جاذبية لفيلسوف الأخلاق، الفيلسوف الذي يدرك، مثل أرسطو أو توما الأكويني، أن الخطاب الأخلاقي هو استقصاء لكيفية العيش الممتع المتسم بالسعة مع تحقيق أصدق الرغبات التي توجد لدينا. لكن من بين اختلافاته الرئيسية عن أرسطو هو إيمانه بأن الفضيلة نزعة محلها القلب وليس العمل؛ إلا أن ما قاله جاك لاكان عن اللذة عند أرسطو - من أنه «نشاط يشبه التورد الناتج عن نشاط الشباب، فهو إن شئت أن تقول وهج»
15 - يمكن قوله عن هتشسون هو الآخر؛ فالفضيلة عند هذا الفيلسوف المشيخي ذي الفكر المتحرر مسألة ذوق وسماحة واستقامة معيشة كبيرة، لدرجة أن أقرب تشبيه لها هو حضور حفل عشاء ناجح لأبعد حد ، فالفرد يتلذذ بطيبة قلب شخص آخر كما يلتهم صحنا كبيرا من الجمبري اللذيذ. فكما هو الحال بالنسبة لستيرن، الفضيلة نوع من الكوميديا، فهي روح احتفالية تقي من البيوريتانية الجافة، فالكوميديا تبشر بعالم مستقبلي أكثر بهجة، وهي نوع من العلاج عند تحققه. ويبدو أن بعض مفكري القرن الثامن عشر يولون البهجة نفس التقدير الذي يولونه للخير، ويرون بالتأكيد تشابها بينهما، فالضحك عند هتشسون - مثل ميكائيل باختين - نمط من أنماط التضامن الإنساني؛ حيث إننا «نسر بإدخال البهجة على الآخرين ... في الوقت الذي نستمتع فيه بمحادثة سارة منتعشة ببعض الضحك.»
16
فالضحك نموذج من الفضيلة لأسباب ليس أقلها أن الضحك يتم للضحك؛ فنوبات المحادثات هي حالات من انتشار عدوى الفضيلة والنشاط الاجتماعي المفعم بالحيوية، لذة في حد ذاته، في حين أن الفيلسوف الساخر ماندفيل يرى أن الناس يحبون الصحبة من أجل الترويج للذات والمتعة الأنانية.
هذا ربما ما يسوء هتشسون في نظرية هوبز عن الضحك؛ إذ لم يقتصر الأمر على كونها سادية بغيضة - حيث إننا نتهكم على أولئك الأقل حظا منا - بل إنها أيضا تخدم السلطة وليست غاية في ذاتها. ويكتب هتشسون ساخرا في رده على هوبز: «إنه لشيء مؤسف أنه ليس لدينا دار مسنين أو مستشفى للمصابين بالجذام نلجأ إليه في الطقس الغائم لنقضي النهار في الضحك على هذه الأشياء الدونية ...»
17
وبالنظر إلى ما يقوله أتباع هوبز، يتساءل هتشسون: لماذا لا يجمعون الكائنات الأدنى كالبوم والقواقع والمحار «ليضحكوا عليها»؟ ويمكن الزعم بأن هتشسون يرد على هوبز كما قد يشعر الإنسانوي المعاصر حيال كتاب فرويد عن النكات. كما أنه بأسلوبه الجمهوري يعتبر الضحك نوعا من فضح الزيف وتفريغ لفقاعة العظمة الزائفة أو السقوط الاحتفالي من الأسمى إلى الأدنى، فهو يعتبر - كما هو الحال بالنسبة لسلسلة مبجلة من الكتاب الأيرلنديين من سويفت إلى بيكيت - أن ما هو كوميدي هو الهزلي قبل كل شيء. لكن المزحة أو الفكاهة الظريفة إن قيلت فهي أيضا علامة على النظام الخيالي، على ذلك البعد من الحياة الإنسانية الذي يكون فيه التواصل مع الآخرين مباشرا وبدهيا دون أي جهد إدراكي مضن الذي هو عبء العقل، فالفكاهة هي صدى مملكة الرب في الأرض.
إن الإنسان الخير نوع من المبتهج الروحاني لدرجة يصعب معها التمييز بين الإحسان والمخالطة الاجتماعية؛ فهناك سمة هيلينية مبتهجة في تلك المنظومة الأخلاقية، سمة مقيدة ومغرية معا، فمن السهل مشاركة مشاعر شخص آخر إن كنت تتردد معه على نفس المقهى. لكن هتشسون يتجاوز بكثير مرحلة الإنسان الاجتماعي القانع؛ إذ يرد على الذين يتهمون الأخلاق العاطفية بأنها ليست إلا نوعا من الخيال الأخلاقي الطريف مصرا على أن ما يجعل الشخصية فاضلة ليس «بعض التحركات العارضة للعاطفة» بل «إنسانية ثابتة أو رغبة في المصلحة العامة للجميع».
Unknown page