ضغطت مارجريت كاميرون، التي كانت لا تزال قابضة على الخرز والأساور، بيديها على الفراش لتتوكأ عليه ونهضت. والتفتت نحوه، غير أن وجهها لم يعد الوجه الجامد المتصلب لامرأة معرضة لفقد صوابها. وإنما أصبح وجها منكسرا مليئا بالخطوط والتجاعيد من الأسى، لكنه وجه قد انسابت عليه دموع الارتياح المباركة حتى كادت منابع الحزن أن تجف. كان جيمي في دهشة شديدة حتى إنه لم يدر ماذا يقول. وكانت مارجريت كاميرون من بادر بالكلام.
إذ قالت: «لست بحاجة إلى اختلاق أي كذبة نبيلة يا جيمي. لست بحاجة إلى أن تجعلني أصدق أنك أبو هذا الطفل. لست بحاجة إلى أن تجعلني أصدق أنك خضعت قط لمراسم زواج من ابنتي أليس لويز شخصيا. لا يمكن أن تكون فعلت ذلك. فإنك لا تعرفها. إنني متأكدة أنك لم ترها قط. لا أعلم أين صادفت مولي. هناك على الشاطئ وأنت تأخذ حمام شمس، على الأرجح. ولا أعلم ما الذي رتبتماه فيما بينكما لتحاولا إنقاذ الموقف، لكنني متأكدة من شيء؛ إنني متأكدة مثلما أنا متأكدة من وقوفي أمامك أن دون كان الفتى الذي أحبته لولي. فكل مشكلة تورطت فيها يوما، كانت بسبب دون. فلم أعهدها مع أي شخص آخر. لم تحب أي شخص آخر ذلك الحب الذي أنساها نفسها. فهمت الآن أنهما ظلا طيلة حياتهما يهوى أحدهما الآخر، وحين أتأمل الأمر، أدرك أنه لا بد أن خطأ ما قد ارتكب بطريقة ما. لكنني لا أفهم الأمر بالضبط فحسب.»
أحاطها جيمي بذراعيه.
وقال: «صحيح يا مارجريت أنني لم أر ابنتك قط إلا حين استدعوني إلى المستشفى حيث جعلهم ذلك العقد يتوقعون مني أن أتسلم الطفل. لقد أعطيت مولي حق استخدام اسمي. وهي استخدمته في صالح أليس لويز. أعتقد أن من شأن ذلك أن يساعدك على فهم الأمر.»
ظلت مارجريت كاميرون واقفة بلا حراك، قابضة على عقود الخرز الرخيص والأساور البائسة الزهيدة، والدموع تنحدر على وجنتيها، وعيناها مثبتتان على جيمي.
ثم قالت: «حيث إن دون هو والد الصبي، فإنني على استعداد لأن أذكره بالخير بقدر ما أستطيع، وإنه مما يسرني أن تمحى في قلبي مشاعر الاستياء التي ظللت أكنها ضد مولي طيلة شهور. كنت أعلم أنها من ساعد أليس لويز على الرحيل، لكنني بالطبع لم أعلم أنها كانت تفعل ذلك لتنقذني، أنها كانت تبذل محاولات محمومة في تدبر طريقة ما تخفي بها عني المعلومة التي ستؤلمني أشد الألم. لم أكن على علم بذلك، لكنني عرفت الآن. ثمة شيء واحد فقط بإمكانك أن تفعله من أجلي. قد تكون هناك بعض التعقيدات القانونية. ربما يستطيع طبيب لويز أن يتدبرها من أجلك. لكن مهما يكن من أمر فلن يحمل هذا الطفل اسمك. لن يدعى جيمس لويس ماكفارلين. وإنما سيكون دونالد كاميرون. لا شك أن لي حقا في هذا القرار. سوف يسمى في السجلات باسم أبيه، وسوف يظل معي بالطبع. هلا غيرت أوراقه من أجلي؟»
فأجابها جيمي: «سأفعل بالطبع، فهو جائز قانونيا. سوف أتحدث مع الطبيب وأرى. أعتقد أنه غالبا سيستطيع تسوية الأمور على النحو الذي تريدينه من دون أي متاعب كبرى .»
ومن ثم اقترب من مارجريت كاميرون وأخذ من بين أصابعها الأغراض البائسة المتبقية من ابنتها وكومها. وأعاد عقد الزواج في الدرج.
وقال على سبيل التوضيح: «ربما أحتاج إليه في إنجاز ما تريدينه. أقسم لك إنني لم أكن قد اطلعت على العقد وهذه الأشياء. لم أكن أعلم، حين غادرت المنزل هذا الصباح، أنه سيحدث أي فرق إن صادفت تلك الصرة. لم أكن أعلم أنني قد تبرعت باسمي لأنقذ ابنتك حتى رأيت ذلك العقد على الفراش حين دخلت الحجرة.»
حمل جيمي الطفل والصرة وأحاط مارجريت كاميرون بذراعه وساعدها على العودة إلى منزلها. وفي طريقهما إلى هناك، حاول أن يقول لها كل ما أمكنه التفكير فيه لعله يعزيها، ولعله يهون عليها. وحين بلغا حجرة المعيشة، تحررت من ذراعه، وأخذت الصرة الصغيرة التي كانت تحملها فوضعتها على الطاولة، ووضعت الطفل برفق في سلته.
Unknown page