ظلت عينا جيمي على ظهر الفتاة وهو ينهض على قدميه، فرأى أنه، باستثناء التوتر البسيط في جسدها الذي شعر به وهو يميل إلى ظهرها، لم تظهر أقل إشارة على أنها أحست بوجود أي أحد وراءها. لم تكن اليد التي أمسك بها قد أظهرت مقاومة. فقد استسلمت لاستخدامه، فاستخدمها في كتابة الكلمة البغيضة بقدر ما تأتى له من قوة. وبعد أن أطلق اليد، رأى اللون الأحمر وهو يتصاعد ملتهبا في الوجنة المجاورة له، ورأى القلم وهو يرسل سريعا ليبدأ في مسح الكلمات التي كتبها.
كان قد نهض على قدميه وسار عبر الشاطئ. كان متلهفا للنظر خلفه، لكنه لم يفعل. وكان السؤال الذي ظل يلح في قلبه وعقله هو ما إن كانت ستتبعه، ما إن كانت ستحدثه. ليت هناك حجرا على الشاطئ. ليت بإمكانه أن يصدم إصبع قدمه؛ ليت باستطاعته التظاهر بأنه قد سقط، فينظر خلفه ويرى ما إن كانت ستأتيه. لكن لم يكن هناك حجر. ولم يكن ثمة أدنى عذر للنظر خلفه إلا أن يفعل ذلك عمدا، وقد كان عناده الاسكتلندي أقوى من أن يسمح للفتاة أن تراه وهو يدير رأسه من أجلها، هذا إن كانت تنظر نحوه.
كان الأمر برمته مباغتا جدا ومربكا للغاية حتى إن دماغه توقف عن العمل مع انتهاء الموقف. فلم يستطع بعده أن يفكر مستشرفا التبعات مخمنا لها. إنما كان يضع مسافة بينه وبين الفتاة التي كذبت عليه؛ كذبا شنيعا. وقد شعر براحة أنه أعلمها بمعرفته بها وأنه نعتها بالكاذبة بقدر ما يتيسر لرجل من تأكيد وتشديد، لكنه لم يكن قد تمادى في أفكاره أكثر مما تمادى في فعله.
وعندئذ بلغ نتوء صخري يمتد لأسفل حيث تتكسر الأمواج عند قاعدته، وكل موجة تعلو عن التي قبلها. لم يكن جيمي في حالة مزاجية تسمح بالتوقف من أجل المياه. فمضى في سبيله، وأثناء انعطافه وراء الصخور، بدت له الفرصة سانحة ليلقي نظرة سريعة وراءه من دون أن ينكشف. فألقى نظرة سريعة وراءه وما رآه جعل قلبه يتوقف مرة أخرى.
حيث وقف بعيدا خلفه على الشاطئ في دائرة هادئة، صامتين وبعيون متسعة، قابضين على غدائهم بإحكام، منتظرين الأمر من معلمتهم المحبوبة، أطفال صغار ببشرات سمراء وحمراء وبلون الشوكولاتة والنحاس، ولدوا في الولايات المتحدة، من إنتاج أرضنا، منحتهم قوانيننا وحكومتنا حق أن يتعلموا مع أطفالنا، ويعيشوا معهم، ويحبوا معهم، ويحاربوا معهم، ويموتوا معهم، جميعهم أحرار، وجميعهم متساوون أمام القانون. وقد تجمعوا هناك وينتظرون، بينما راحت معلمتهم تقطع الشاطئ بخطوات سريعة.
خال لجيمي أنه لم ير قط شيئا بهذا الجمال. إذ كانت فتاة العاصفة تركض كما يركض الهنود، لكن ربما كانت قامتها أكثر استقامة قليلا، وذقنها أشد شموخا قليلا. بينما يلتقط نسيم المحيط شعرها الكثيف البني الضارب للحمرة ويرسله للخلف. فاستطاع أن يرى جبهتها الواسعة البيضاء. ولمعة عينيها الرماديتين الضاربتين للبني. وتدفق الدم ليصبغ وجنتيها وشفتيها، بل عنقها أيضا. استطاع أن يرى تناثر النمش الكثيف الذي لم تكتف الشمس بعبوره قصبة أنفها فوزعته في أنحاء الوجه بالكامل. كانت ستصل إليه خلال دقيقة بالسرعة التي تعدو بها. وكل ما استطاع جيمي أن يفكر فيه هو أنه لا ينبغي أن يضبط وهو يختلس النظر من وراء الصخرة. حفظا لكرامته لا بد أن يمشي سريعا على الشاطئ برأس مرفوع، وقامة منتصبة، موليا ظهره لها. فلتركض الكاذبة الصغيرة وراءه! فلتلحق به إن كانت تظن أن لديها ما تقوله له!
وفي تلك اللحظة، والغضب مستعر في صدره منها، استدار جيمي سريعا ونظر وراءه. فاكتشف أنه يقف قبالة صدع في الصخرة المعلقة يؤدي إلى الخلف لما بدا أنه قد يكون ممرا تحت الأرض من نوع ما. وقبل أن يدرك ماذا يفعل، راح يتوغل في لجاج الظلام حتى اصطدم فجأة بجدران لم تتح له أن يتراجع أكثر من ذلك. فالتفت في الحال ليرى ظل فتاة العاصفة وهي تسير خلال الأمواج أثناء مرورها أمام الفتحة. فعاد على الفور إلى المدخل. كانت لا تزال تركض عبر الشاطئ في بحث منهمك. انطلق جيمي عبر الماء متخذا مسارا دائريا وجعل يعدو هو الآخر. حين استطاعت فتاة العاصفة أن تعود إلى حيث كانت، أصبح هو على الجهة الأخرى من الطريق محتجبا وراء أشجار البلوط الحي والمادرونو والمانزانيتا ونباتات المريمية التي تنمو على سفح الجبل. وعلى عجل أخذ طريق العودة إلى الإسطبل.
وقد وجد جين تماما حيث توقع أن يجدها، على صهوة فرس، تدور في المضمار الذي أحاط بالإسطبل حيث تباع الخيول.
وحين رأته، تقدمت للسياج وسألته: «ما رأيك في هذا؟»
كان «هذا»، من وجهة نظر جيمي، أسوأ الخيول الثلاثة.
Unknown page