156

ثم قالت باقتضاب: «لا؛ لن يزعج طفل آخر تلك المرأة! فقد سمعت عنها. عند ولادة طفلها الأول كان في المستشفى نفسه طفل يعيش على الصدقات وطفل ثري صغير وكان كلاهما يتضوران جوعا، وقد أرضعتهما طوال الوقت الذي أمضته هناك، مع طفلها فأنقذتهما. لقد ساعدتهما خلال مرحلة حرجة حيث استطاعا الحصول على التغذية السليمة والاستفادة منها، وبعد ذلك استطاعوا أن يستمروا في تغذيتهما. وحين جاء طفلها التالي كان هناك طفلان آخران يتضوران جوعا وقد أخذتهما في كنفها وشاركتهما غذاء طفلها. وحين جاء طفلها الثالث كانت إحدى النساء ولدت ولادة قيصرية قبلها بعدة أيام فعاش الطفل لكن لم يكن هناك لبن لإرضاعه، فأرضعته كما أرضعت طفلها. إن السيدة ميريديث لا تتوانى عن فعل أي شيء لأي طفل، ذلك مما تستطيع أن تعول عليه. وليس من الصعب أن تعرف من أين جاء الكشافة الصغير بالكثير من الصفات المحببة، بيد أنه ما دام لديها طفل صغير لترعاه فإنها ليست بحاجة إلى طفلك. قد تكون هذه هي المهمة التي كنت أبحث عنها. قد يكون وجود كائن حي بحاجة إلي هو الشيء الذي سيساعدني على تجاوز محنتي. فلتذهب وتأت بصغيرك يا جيمي، أحضره لي.»

نهض جيمي وذهب إلى الهاتف. حيث اتصل بالسيدة ميريديث وطلب منها أن تعيد الطفل إليه. فقد عادت مارجريت كاميرون وهي على استعداد لأن تقوم على رعايته. وسرعان ما ظهرت في الشارع سيارة بنية صغيرة. ووقف جيمي عند البوابة يشاهدها آتية. كانت السيارة بلون شعر المرأة التي تقودها. كانت عيناها نجلاوين ولامعتين، متألقتين بابتسامة. وفي المقعد الأمامي بجانبها جلس الكشافة الصغير، حاملا اللفة بحرص. أخذ جيمي ينظر إليه بفضول متسائلا ما كان سيدور في رأسه وكيف كان سيشعر لو كان ذلك الطفل ابنه بحق.

في محاولة لتوفير العناء على مارجريت كاميرون مد جيمي ذراعيه لتناول الطفل، لكن السيدة ميريديث كانت شخصية لطيفة الطبع. وأصرت على أن توصل الطفل بنفسها. كان لا بد أن تبسط ملابسه وتشرح كيف استخدمت أغراضه. فقد شكت أن مارجريت كاميرون، التي لم تنجب منذ أكثر من عشرين عاما، ستعلم كيف تدهن الطفل وتلبسه الملابس المناسبة وتحمله بالطريقة المناسبة للزمن الحالي. فإن عشرين عاما مدة طويلة والعلم يتوصل إلى أشياء عدة في تلك المدة الزمنية. كانت في غاية من كرم الطبع، وغاية من انشراح الصدر، راضية جدا عن نفسها لرعايتها الطفل حتى عادت مارجريت كاميرون، حتى إنها لم تلحظ وجه المرأة في شحوبه وذبوله، المرأة التي كادت لا تعرفها من الأساس. وقد صدمت مارجريت كاميرون عتيقة الطباع حين وضعت بين ذراعيها طفلا لا يرتدي ملابس تحتانية من الصوف الناعم، وبقدمين حافيتين يركل بهما، ورداؤه لا يتعدى قدميه. فبدا لمارجريت كاميرون أن الشيء الوحيد الذي فعلته السيدة ميريديث على غرار ما كان للأطفال قديما هو الحرص على تغطية عيني الطفل، لكيلا يمتد إليهما الضوء الساطع.

رفعت مارجريت صوتها اعتراضا.

وقالت: «أين ملابسه التحتانية الصوفية؟» فلوحت السيدة ميريديث بيديها في حركة معبرة تعرفت عليها مارجريت وجيمي في الحال.

وردت عليها ضاحكة: «إنه لن يرتدي ملابس تحتانية صوفية!» وتابعت: «إذ لم يعد أطفال كاليفورنيا يرتدون الملابس التحتانية الصوفية. فهي تشعرهم بحرارة شديد وتحك جلودهم الرقيقة وتجعلهم يتضايقون ويبكون.»

قالت ذلك وجلست على الأريكة وفتحت سلة الأطفال التي جاءت بها وعرضت الأدوات التي كانت تستخدمها في العناية بجيمس لويس ماكفارلين، الابن، خلال الصباح.

وجلست مارجريت تحدق. فأصغت إلى ما قيل. وشاهدت ما فعل. وتفحصت الطفل ثم هزت رأسها.

ثم قالت: «إن أخذت هذا الطفل، يا جيمي، وحاولت رعايته بهذه الطريقة ومات، هل تحملني وزره؟»

وهنا ضحك جيمي والسيدة ميريديث ما شاء لهما الضحك.

Unknown page