146

وأسرع مما توقعا، توقفت عربة الأجرة لدى البوابة، بينما سار قائد الكشافة مثل شاب متأنق شبه مخمور يؤدي رقصة ريل الأيرلندية، يتبختر ويتمايل يمينا ويسارا، واضعا يديه على خاصريه حين لا ينهمك في التلويح بهما في الهواء موزعا حركات مستفيضة، ثم قال آمرا: «ضع ذلك الصندوق في المقعد بجوارك. وضع حقيبة السفر وحافظة الملابس في الخلف. سوف أخرج هذا المشهد كما يخرج أبي المشاهد في الاستديو الكبير. سيدي سائق سيارة الأجرة، خذ هذا المعطف وضعه على السيدة وخذ هذه القبعة وألبسها إياها، وأحطها بذراعك، وإن لم تستطع المشي، فاحملها إلى الخارج وضعها في السيارة. اتجه بسيارتك إلى محطة سانتا في مباشرة، وإن احتاجت إلى مساعدة، فساعدها في الحصول على تذكرة إلى أي مكان في بنسلفانيا تقول إنها ذاهبة إليه، ولتفعل ذلك سريعا جدا أيضا!»

وقف قائد الكشافة ساكنا حتى اختفت السيارة، ثم استدار وقال: «أشكركم أيها الفتيان! سأغيب اليوم. فلدي عمل، لكنني لن أنسى مكافآتكم، وسوف أضاعفها لكم! أؤكد لكم أنها ستكون رائعة. أفضل من سائر المكافآت. ولا ينس أحد منكم كلمة مما سمعتموه أو رأيتموه. ثمة احتمال أن تذهبوا إلى المحكمة وتخبروا قاضي الوصايا به كما قلت، أما الآن فقد انتهت حاجتي منكم وأريدكم أن تتفرقوا سريعا. سوف أكافئكم غدا ولترفعوا رءوسكم عاليا جدا؛ لأن ما حدث اليوم لم يكن تمثيلية. فقد كنتم فتيان كشافة، فتيان كشافة بحق، وقمتم بمهمة حقيقية، وقد أديتموها على أكمل وجه! تبقى شيء واحد فقط. تذكروا عهودكم المغلظة. تذكروا واجباتكم وما إلى ذلك. تذكروا أنكم إن أخبرتم أحدا، فستفصلون وتنبذون. فلتتفرقوا تصحبكم السلامة. أما أنت يا فتى رقم ثلاثة، فأرجو أن تهرع لغلق الصنبور قبل ذهابك، لأنني لا أخفي عليكم يا رفاق أن هذه المناوشة كانت شاقة جدا وأنني في غاية التعب! والآن انطلقوا في مسيرتكم معتزين بأنفسكم.»

وقف قائد الكشافة مستقيما، يراقب البوابة بينما فتيان الكشافة رقم ثلاثة واثنين، وبيل السمين الطيب وراءهم، يومئون جميعا، ويتحدثون جميعا في الوقت نفسه، إلى أن اختفوا عبر الطريق. وبعدئذ، على الفور، هبط الكشافة الصغير بوجهه على الوحل وراح يصرخ بأعلى صوته، وهو يبكي ويرتعش، صياح حاد مقتضب، صيحات مذعورة أوجعت فؤاد جيمي، فاخترق زهرات العسل وأخذ الكشافة الصغير بين ذراعيه، وجلس على المقعد أسفل شجرة الجاكرندا وقد ضم إليه حمله الصغير بشدة وراح يمطر الوجه والرأس الصغيرين بقبلات لا حصر لها.

من شأن الرجل الاسكتلندي أن يكون متحفظا في كلامه، بيد أن لسان جيمي سبقه في تلك اللحظة المحمومة.

إذ قال: «أيها الصغير! أيها الصغير الشجاع! لقد نجحت. لقد أنقذت هدية سيد النحل لنا. كان جون كاري معي هناك في الخلف وشاهدنا وسمعنا ما يكفي لإرسال تلك المرأة إلى السجن. فلا تبك بعد الآن! دعني أضمك بشدة واسترح قليلا. كان جهدا كبيرا. كان مجهودا شاقا عليك يا أيها الصغير العزيز!»

لوهلة ظن جيمي أن الحمل الذي بين ذراعيه سينطلق بعيدا عنه تماما، فقد اشتد عوده واستقام على حين غرة.

قال قائد الكشافة مستهزئا: ««الصغير العزيز»!» ثم أضاف: ««الصغير العزيز!» أظن أنك ستدعوني بعد ذلك ب «الطفل»! فذلك هو الاسم الذي نادتني به تلك الفتاة. إن ناداني أي شخص يوما في العالم مرة أخرى ب «الطفل» فسأحطم أسنانه. حسم الأمر!»

جعل قائد الكشافة يبحث عن شيء مناسب ليجفف به عينيه، ولما لم يجد، جلس ساكنا تماما أثناء استخدام جيمي منديله.

قال الكشافة الصغير مزدردا لعابه: «لا أعلم ماذا ستفعل بي. أعتقد أنني كدت أدمر حوض زهور المخملية، وكان الجزء الخاص بك هو الذي أصابه الضرر.»

فقال جيمي: «حسنا، انس تماما أمر المخملية. فبإمكاننا زراعة حوض جديد وغرس المزيد من البذور. دعك تماما من أمر المخملية! وأخبرني بما حدث.»

Unknown page