وكان له معرفة جيِّدة بعلم الحديث والأثر وإن لم يشتهر به ولم يقصد من أجله، وقد تكون رئاسته في الفقه وأصوله طغت على سائر جوانب المعرفة منه، ثم إنه لم يكن من الرحَّالين في الحديث ولا من المكثِرين من الشيوخ، وجُلُّ حديثه من طريق الشافعي، وهو قليل الرواية على ثقة فيه، قد وثَّقَه ابن يونس (^١)، وكان أحمد بن صالح المصري (ت ٢٤٨ هـ) يبجِّله، وقد قال فيه: «لو أن رجلًا حَلَفَ أنَّه لم يرَ كالمُزَنِيِّ آخَرَ كان صادقًا»، فقال له أبو أفلح المصري: نكتب عنه؟ قال: «إن حدَّثَكم» مرَّتين (^٢)، وقال ابن أبي حاتم: «صدوق» (^٣).
وأخرج ابن السُّبْكِيُّ بسنده من طريق أبي الفوارس أحمد بن محمد الصابوني قال: أخبرنا المُزَنِيُّ: أخبرنا الشافعي، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله ﷺ نهى عن الوِصال، فقيل: إنك تُوَاصِل؟، فقال: «لستُ مثلكم، إني أُطْعَمُ وأُسْقَى»، قال ابن السُّبْكِيُّ: «وبهذا الإسناد: أن رسول الله ﷺ ذكر رمضان فقال: لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تُفطروا حتى تروه، فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له»، قال: «وبه: أن رسول الله ﷺ فرض زكاة الفطر من رمضان، على السنة، على الناس، صاع من تمر، وصاع من شعير، على كل حُرٍّ وعبد، وذكر وأنثى، من المسلمين»، قال ابن السُّبْكِيِّ: «مُتَّفَق عليها، وهي من الأسانيد التي ينبغي أن تُسَمَّى عقد الجوهر ولا حرج» (^٤).
_________
(^١) انظر «تاريخ مصر» (١/ ٤٤).
(^٢) أخرجه البَيْهَقِيُّ في «المناقب» (٢/ ٣٥٧).
(^٣) انظر «سير أعلام النبلاء» للذهبي (١٢/ ٤٩٥).
(^٤) انظر «الطبقات» (٢/ ٩٥).
المقدمة / 28