Mukhtarat Qisasiyya Li Yukiyo Mishima
البحر والغروب وقصص أخرى: مختارات قصصية ليوكيو ميشيما
Genres
توشيكو على الأغلب لم تحس في قلبها بأية مشاعر حقد تجاه الممرضة، ولكن حالة البؤس تلك التي كان عليها الطفل، ربما جعلت توشيكو التي تربت تربية ثرية، تشعر بقوة أنه بؤسها هي. فكرت توشيكو في «ذلك الطفل الملفوف بورق الجرائد». «تقريبا أنا الوحيدة التي رأته على تلك الحالة؛ فالأم لم تكن تراه، وحتى الرضيع نفسه لا يعلم بذلك. أنا الوحيدة التي يجب عليها الاحتفاظ في ذاكرتها بتفاصيل تلك الولادة المأسوية. لو كبر هذا الرضيع، وسمع من شخص ما تفاصيل ولادته تلك؟ ماذا سيكون شعوره يا ترى؟ ... ولكن لا خوف؛ فالأمر يتوقف علي أنا وحدي في عدم البوح بهذا السر. علاوة على ذلك فقد أسديت معروفا له؛ لأنني غيرت له القماط للفانيلة بشكل لائق، ووضعته فوق المقعد.»
ظلت توشيكو صامتة.
قال زوجها لسائق السيارة الأجرة أمام الملهى الليلي: «أوشيغومي.» وركبت توشيكو، فأغلق الباب من الخارج. ولاحظت من خلف زجاج النافذة صف أسنانه البيضاء القوية وهي تضحك. الإحساس الواقعي بأن حياتهما معا ليس بها شيء يدعو للقلق جعل توشيكو تتعب بعنف وهي تتكئ للخلف في المقعد. أدارت رأسها لتشاهد زوجها، ولكن زوجها لم ينظر خلفه، بل أسرع الخطى تجاه سيارته ماركة «ناش». وسرعان ما اختلط ظهر معطفه الخشن ذو الجلد اللميع مع باقي المارة، فهو يكره الوقوف طويلا وسط الزحام.
تحركت سيارة الأجرة بالفعل. المسرح الذي تتزاحم حشود الناس أمام مدخله المظلم قليلا قد أغلق توا، وكانت أنوار الواجهة الأمامية قد أطفئت بالفعل. تأملت توشيكو عددا من أشجار الكرز المتراصة أمام المسرح، والتي زينت بأفرع أزهار صناعية، وبدت بسبب الظلام كما هي في حقيقتها، مجرد قصاصات ورق أبيض. «ورغم ذلك فهذا الرضيع ...»
هكذا واصلت أفكارها السابقة بإلحاح. حتى لو تربى بدون أن يعرف سر ولادته بالمرة، أنا أعتقد أنه بالتأكيد لن يصبح إنسانا سويا. ربما سبب اهتمامي بهذا الرضيع إلى هذه الدرجة يأتي على الأغلب من القلق على مستقبل ابني أنا. بعد مرور عشرين عاما، يتربى ابننا في هناء وسعادة ليصبح إنسانا رائعا. ووقتها، ماذا لو حدثت صدفة مرعبة، ليجرح ذلك الطفل الذي أصبح شخصا تعسا ابني؟! رغم أن اليوم كان دافئا مع وجود غيوم؛ لأنه من أيام بدايات شهر أبريل، فإن هذه الطريقة في التفكير جعلت توشيكو تشعر ببرودة تجتاح منطقة الياقة والرقبة. «وقتها يجب أن أفتدي ولدي. بعد عشرين عاما سأصبح في الثالثة والأربعين من العمر، سأقول لذلك الطفل كل شيء في منتهى الوضوح؛ حكاية قماط ورق الجرائد، والقماط الجديد من الفانيلة الذي لففته أنا به.»
كانت سيارة الأجرة تسير مسرعة في طريق واسعة كبيرة ، ويحيط بها الظلام والحدائق وخندق القصر الإمبراطوري من الجانبين. من خلال النافذة التي على يمينها رأت توشيكو الأضواء المتفرقة الآتية من مباني المكاتب الشاهقة. «بعد مرور عشرين عاما، ستكون حالة ذلك الطفل البائس رهيبة مريعة. لا يملك أي أمل، وليس لديه مال، ويعيش كالفئران بعد أن فقد جسده الشباب والحيوية. أعتقد أن طفلا ولد بهذا الشكل ليس أمامه إلا هذا المصير. بالتأكيد سيكون وحيدا يلعن أباه ويحقد على أمه.»
لا شك أن تلك الأفكار الكئيبة كانت تنال إعجابها بشكل أو بآخر، وإلا فما ضرورة أن ترسم في مخيلتها مستقبل «الرضيع» بهذه الدرجة من التفاصيل؟
تخطت سيارة الأجرة حي «هانزومون»، وهي الآن على وشك المرور من أمام السفارة البريطانية. وعند ذلك برزت أشجار الكرز الشهيرة في تلك المنطقة أمام أعين توشيكو. فتولد لديها فجأة خاطر بشكل عفوي. ماذا لو قررت أن تستمتع منفردة بمشاهدة مناظر أزهار الكرز الليلية هناك؟ فبعد أن تنزل من السيارة وتشاهد أزهار الكرز على مهل، يمكنها بسهولة أن تلتقط سيارة أجرة أخرى من تلك التي تسير بكثرة في الطريق. كان ذلك بالنسبة لتوشيكو التي تتصف بالجبن مغامرة كبيرة، ولكن تفجر الخيالات والأوهام المقلقة، جعلها غير قادرة مهما فعلت على كتمان رغبتها في الامتناع عن العودة الراشدة إلى منزلها.
نزلت السيدة الشابة الحبوبة الضئيلة الحجم من السيارة الأجرة وعبرت بمفردها طريق السيارات. كانت توشيكو عند عبورها للطريق، معتادة دائما على التشبث بمن يرافقها وتعبر في رعب، ولكن رغم ذلك، اندفعت توشيكو التي اعتراها شعور مفاجئ وغامض بالحرية لتعبر الطريق في دفعة واحدة متفادية السيارات المسرعة في الليل، لتصل إلى الجهة الأخرى من الطريق، حيث توجد الحديقة التي تحد خندق القصر.
تلك الحديقة الطويلة مع عرض ضيق تسمى حديقة «تشيدوري غافوتشي».
Unknown page