Mukhtarat Qisasiyya Li Yukiyo Mishima
البحر والغروب وقصص أخرى: مختارات قصصية ليوكيو ميشيما
Genres
كان راهب معبد شيغا الذي وصل العاصمة أخيرا بعد سفر طويل متكئا على عصاه، قد نسي كل تعبه، بعد أن تحايل لدخول القصر الإمبراطوري حيث توجد محظية الإمبراطور ، عندما أيقن أن وراء ستائر الخيزران تلك، توجد المرأة التي يهواها، أخذ يفيق من كل الأحلام الكاذبة.
عندما أخذ الحب هذا الشكل البريء، مرة أخرى بدأت الحياة الآخرة تسحر لب الراهب العظيم. أحس وكأنه لم يسبق له أن رسم في ذهنه الأرض الطاهرة بهذه الدرجة من النقاء والصفاء، لقد أصبح شوقه للأرض الطاهرة يأخذ شكلا حسيا على الأغلب، لم يبق له من أجل أن يزيل أوهام هذه الدنيا التي تحجب عنه الآخرة، إلا لقاء المحظية وإعلان حبه لها. هذا فقط هو ما تبقى.
كان يعاني كثيرا من الوقوف هناك، يستند بجسده الهرم على عصاه، تنسكب فوق رأسه أشعة شمس مايو الساطعة المتسللة من خلال أوراق الشجر، كلما أحس بدوار في رأسه يتكئ على عصاه؛ ليحمي نفسه من الوقوع. لو أن المحظية تنتبه إليه سريعا وتستدعيه، ستنتهي هذه الخطوة في الحال، ووقتها يفتح له باب الأرض الطاهرة على مصراعيه، الراهب العظيم ينتظر، ينتظر مسندا على عصاه كلله الذي يصل به إلى حد الإغماء. أخيرا احتجبت أشعة الشمس، وصار الوقت مساء، ولا تأتي أخبار من محظية الإمبراطور.
ولكن المحظية بالطبع لم تكن تعلم أن الراهب يعتقد أن الأرض الطاهرة تكمن خلفها، كانت تنظر مرة بعد مرة من خلف ستائر الخيزران ناحية الحديقة. كان الراهب يقف في الحديقة. المساء يزحف، والراهب ما يزال يقف هناك.
أصاب محظية الإمبراطور الرعب؛ فلقد شعرت أن ما رأته هو تجسيد حي لأوهام التعلق العميقة الجذور، لقد احتواها رعب عارم من السقوط في الجحيم. الرعب الإنساني العادي الذي يقول إنها بعد أن تسببت في الحيرة والضلال لراهب على تلك الدرجة من الأخلاق الرفيعة، بالتأكيد لن تستقبلها الأرض الطاهرة، بل مآلها سيكون إلى الجحيم. وقتها قد تحطم بالفعل الحب الأسمى الذي كانت تحلم به. لقد حطمته بالفعل؛ فالجحيم هو أن تحب. كانت المحظية على العكس من الراهب العظيم ترى الجحيم من ورائه.
ولكن تلك المرأة النبيلة المتغطرسة قاتلت خوفها بشدة، ولقد شجعت روحها مستعينة بقسوتها وعنفها الفطري؛ فالراهب سيسقط صريعا حتما عاجلا أو آجلا. فما عليها إلا أن تنتظر سقوطه. ولكنها ما إن تلقي نظرة خلف ستائر الخيزران متوقعة أنه قد سقط، تجده واقفا بصمت هناك بلا حراك، مما يزيد من غضبها.
دخل الليل، وبدت هيئة الراهب الواقف في ضوء القمر كأنها هيكل عظمي.
لم تستطع محظية الإمبراطور النوم من الرعب، ولكنها رغم عدم النظر في اتجاه الستائر، وقد أعطت ظهرها لها، فإنها كانت تشعر بنظرات الراهب.
فهمت الآن أنه ليس حبا عاديا. ولكنها من الخوف من أن تحب، ومن الخوف من الوقوع في الجحيم، أصبحت على العكس تتمنى الأرض الطاهرة بقوة أكثر. فكرت أنها تريد الحفاظ على الأرض الطاهرة الخاصة بها بلا أي جروح. أرضها الطاهرة تلك تختلف تماما عن أرض الراهب الطاهرة، وليس لها أية علاقة بحبه؛ فهي تعتقد أنها لو تحدثت مع الراهب ستنهار أرضها الطاهرة على الفور. إنها تريد أن تعتقد أن حب الراهب ليس له علاقة بها؛ فالراهب يحبها من تلقاء نفسه وبدون تدخلها؛ ولذا فمن المفروض ألا تفقد ولو قليلا استحقاقها في أن تستقبلها الأرض الطاهرة.
ولكن ورغم ذلك، فكلما تقدم الليل تدريجيا، وأصبح الجو أكثر اعتدالا، فقدت ثقتها في إمكانية التحكم في قلبها لو سقط الراهب في مكانه ميتا.
Unknown page