Mujtamac Madani Wa Thaqafat Islah
المجتمع المدني وثقافة الإصلاح: رؤية نقدية للفكر العربي
Genres
Civilisé
ممن هم على شاكلة المحلفين خلقا وسلوكا.
معنى هذا أن كلمة مدني في قاموس التنوير تحمل معنيين نقيضين: تعني المواطن الحر (الغربي) المهذب والكيس والمتحضر نقيض البربري والهمجي، وتعني أيضا في الأصل الروماني تميزا له، ثم أصبحت تعني الأوروبي الذي يجسد الحضارة دون سواه.
واستخدمها مفكرو التنوير للتمييز بين مجتمعهم المدني، وبين مجتمعات التعصب والحروب والاقتتال، أي مجتمعات الأمراء ورجال الدين ودعاة العصبيات العرقية، ولكنهم استخدموها أيضا للتمييز بين مجتمعاتهم الأوروبية والمجتمعات غير الأوروبية، ولعل من الأمور ذات الدلالة على الانحياز الغربي هنا أن العلوم أو الدراسات الاجتماعية التي نشأت في ظل فكر التنوير اختصت بدراسة المجتمعات المدنية أو الغربية، بينما ابتدع الغرب مبحثين آخرين اختصا بدراسة المجتمعات غير الأوروبية، أو لنقل غير المدنية، وهذان المبحثان هما الاستشراق والأنثروبولوجيا.
وصاغ الفلاسفة مذاهبهم السياسية وفي خلفيات رءوسهم هذا المعنى: الحضارة أوروبية، أو سارت مسارها التاريخي الخطي والأحادي، ابتداء بالبرابرة والهمج لتبلغ ذروتها، وليبلغ العقل كماله مع الإنسان الأبيض، ومن هنا ذهبوا في تفسيرهم لحركة التاريخ أن الإغريق هم أهل الحكمة ومبدأ الفلسفة وعبقرية الإبداع، وأن الإنسان الأبيض هو المتحضر أو المدني بطبيعته وفطرته، وبلغ المجد من أطرافه عقلا وحكمة وعلما، وأن من دونه برابرة، ومن ثم كان القول بأن التحديث تغريب، محاكاة للمثل الأعلى (الغرب) ولذلك أيضا لم يكن غريبا على فلاسفة التنوير أن يكون بعضهم شريكا وصاحب أسهم في شركات تجارة العبيد إلى العالم الجديد.
إذن كلمة مدني، حسب هذا الاستعمال، تدل على مفهوم نخبوي تفضيلي تأسيسا على وضع تراتبي هرمي للمجتمعات على عكس ما يدعو إليه ظاهر فكر حركة التنوير من أخوة ومساواة وحرية، وأن البشر جميعا أحرار سواسية. وأصبح هذا الفكر تبريرا نظريا للسياسات الغربية التوسعية الإمبريالية. كما أصبح التوسع الاستعماري رسالة الرجل الأبيض لنشر الحضارة، وإقامة مجتمعات مدنية على نحو دعوة الإصلاح التي تدعونا إليها الولايات المتحدة الأمريكية أسوة بدعوتها ونصيحتها قبل ذلك لبلدان أمريكا الجنوبية. ولكن منطق الفكر التنويري يقرر أن الشعوب الأخرى بطبيعتها وجبلتها ليست أهلا للتحضر والإبداع العبقري شأن الرجل الأبيض.
وامتد هذا الفكر من أوروبا إلى الولايات المتحدة مع هجرة الرجل الأبيض وسيطرته على الأراضي بعد قتل ودحر أهلها الأصليين بأساليب عسكرية وحشية بربرية وغير أخلاقية. وفرض الإنسان الأبيض «المدني»، باسم طبيعة الأمور والأشياء، هيمنة الولايات المتحدة، أو نيو إنجلاند تحديدا، على بلدان جنوب الولايات المتحدة ثم بلدان أمريكا الجنوبية تحت شعار أمريكا للأمريكيين. ثم سيطر على اليابان عقب الحرب العالمية الثانية وعلى غيرها. وبرر الإنسان الأبيض «المدني» سلوكه بأنه صاحب رسالة حضارية لإصلاح وبناء مجتمعات المؤسسات الديمقراطية الليبرالية الحداثية، زاعما أن هذا هو الأسلوب الوحيد للتحديث الاجتماعي. ولكن سقطت جميع هذه المزاعم في التطبيق العملي.
المجتمع المدني
وجدير بالذكر أن توماس بين (1737-1809) المفكر البريطاني المولد، وأحد زعماء الثورة الأمريكية وصاحب كتاب «حقوق الإنسان» هو أول من مايز بين الدولة والمجتمع المدني. رأى أن الدولة كيان مختلق ومفروض قسرا لأنها اغتصبت دور الفرد، كما اغتصبت الجهد الطوعي لأنها بطبيعتها سلطة وتسلط.
وذهب إلى أن المجتمع وليد حاجاتنا ومتطلباتنا، بينما الحكومة نتاج المكر والدهاء الإنساني. الأول، أي المجتمع، يغرس ويوحد أفضل دوافعنا، بينما الثاني، أي المجتمع السياسي أو الحكومة، يكبح رذائلنا ... المجتمع المدني راع وضامن، بينما الحكومة جهاز معاقبة وأداة قسر. وتقع المؤسسات المدنية في المساحة الفاصلة بين الفرد وقوى السوق لتهيئ للإنسان، المواطن، الفرد، أفضل سبل الحياة.
Unknown page