Muhawarat Alfred North Whitehead
محاورات ألفرد نورث هوايتهد
Genres
وأدى بنا ذلك إلى نقاش حول طول حياة النظم فقال: «إن الجامعات في أوج مجدها الآن،
وقالت زوجته: «لقد بلغت الآن بالفعل مفترق الطرق.»
وتحدثنا عن إساءة استعمال «البحث»، وذكرت خطاب جون برنت في 12 مارس عام 1904م بسنت أندروز، وقلنا إن الناس الذين يكثرون من الحديث في «البحث» ليسوا أولئك الذين قاموا به. لقد ابتذلت الكلمة وأصبحت مما يسيء إلى كثير من الناس.
وإنا لنسمع عن «بيئة البحث» وعن «المنح التي تقدم للبحوث» وما إلى ذلك، كأن الأمر كله يتعلق بالمال ولكن صاحب الخطاب لم يفترض أن أي كشف من الكشوف العظيمة قد استعان بالمال، ومن المؤكد أن جميع الكشوف قد قام بها رجال لم يفكروا بتاتا في المعونة المالية.
فقال هوايتهد: «لقد سمعتموني أنقد جبن العلماء، وأعتقد أن ما لنقد المتون من قيمة قد انتهى، ذلك العمل الضخم الذي استمر منذ النهضة لتنقية الأصول الكلاسيكية، ذلك عمل قد تم وانتهى، ونحن اليوم نعلم عما كان يتحدث المؤلف، ولكن العلماء ما زالوا يعيدون ثم يعيدون هذه التنقية، بعد أن لم تعد لها قيمة.» - «لماذا يستطيع العلم أن يقفز كل هذه القفزات التي وثبها في القرن الماضي، بل في الأربعين سنة الماضية، في حين أن الدراسات الإنسانية تتقدم تقدما وئيدا؟ هل نحن حقا قد سبقنا أفلاطون وأرسطو في هذا المضمار بخطوات شاسعة؟»
فأجابني بقوله: «في القرن الثامن عشر (وأنا أتحدث عن إنجلترا حيث أعرف ما أتحدث عنه) كان بالإمكان مسايرة روما واليونان في أزهى عصورهما؛ فإن البناء الاجتماعي كان شبيها بهما إلى حد يجعل السوابق التاريخية ذات قيمة عملية، ولو إلى حد ما، فما زال هناك الجماهير والأرستقراط، ولو كان الأمر مما يتعلق بحكم مستعمرة إمبراطورية - كالهند مثلا - استطعت أن تحذو حذو الرومان، ولو أن حاكما استعماريا قدم إلى المحاكمة لسوء إدارته - مثل وارن هيستنجز - كانت أمامك خطب شيشرون ضد فريز الذي اتهم بحكمه الجشع في صقلية. وحتى في القرن التاسع عشر كان بالإمكان احتذاء المثال الإغريقي الروماني إلى حد كبير. أما الآن، في القرن العشرين، فإن التكنولوجية الحديثة قد عدلت من القيم الخلقية، أو من العلاقات الاجتماعية، حتى بات الأمر يتطلب مزيدا من البحث ومن الدقة في تطبيق النظم التقليدية الكلاسيكية على احتياجات العصر الحديث.» - «وماذا يحتمل أن يكون أثر هؤلاء الرجال الذين تعلموا تعليما علميا على حكم الإمبراطورية البريطانية؟» - «إنا نبعث إلى الخارج إداريين استعماريين من الرجال الذين لم يشربوا بروح التقاليد الإنسانية القديمة، وإنما من خريجي المدارس العلمية. إنهم لا يقلون عن نظرائهم ذكاء، ولكن هل نالوا ما لقيه هؤلاء من تدريب ملائم؟ إني أشك في أنهم يدركون بمثل دقتهم التكوين العاطفي للشعوب التي لا بد لهم أن يحكموها.»
قلت: «إن الكنيسة الرومانية الكاثوليكية مثال لنظام له خبرة واسعة في الحكم، أفاد من علم العالم القديم.» - «إنه نظام قد تعلم كيف يدير الأمور إدارة ناجحة في مجتمع ملكي تحكمه الأرستقراطية، وعندما يفكر أحد أن في تعديل هذا المجتمع، أو في تحريره بتحويله إلى النظام الجمهوري أو الديمقراطي، تقف الكنيسة عادة موقف المعارضة لهذا التعديل. والآن، في الوقت الذي قد جن فيه جنون بعض الحكومات الأوروبية، ترى الكنيسة - أو هي تظن أنها ترى - ميزة في جانب الدكتاتوريات الفاشستية التي تعارض نوع الدكتاتورية التي يمثلها ستالين. وأعتقد أنهم مخطئون.» - «قال لي عالم اجتماعي ممن أعرف (وهو يميل إلى جانب الاشتراكية بصورة واضحة) إنه يعتقد أن الكاثوليكية ستتغلب على الشيوعية، إما بمسايرتها أو بالقضاء عليها، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن الماركسيين يغضون الطرف في عناد عن الاحتياجات العاطفية لمتوسط الناس، في حين أن الكنيسة تشبع هذه الحاجات.»
قال هوايتهد: «لقد نجحت الكاثوليكية في إخراج نوع مهذب نوعا من النساء، ولكنها لم تبلغ مثل هذا النجاح مع الرجال. بالرجال حاجة إلى أن ينفضوا عن كواهلهم عبثا تلقيه عليهم الكنيسة، وما لم يفعلوا ذلك، لن يكونوا مفكرين لهم أثر. إنهم إذا لزموا حدود العقائد الكنسية الجامدة ظلوا دائما على خشية من أن يفكروا في رأي يتعارض معها. وأعتقد أن الكنيسة كان باستطاعتها أن تكون أشد جرأة مما هي عليه - وهي مطمئنة - في قائمة الكتب التي تصرح بقراءتها. إن أمرسن لا يصيب شعب الكنيسة في الحقيقة بأي لون من ألوان الأذى.»
المحاورة السابعة عشرة
15 من ديسمبر 1939م
Unknown page