قالت كلمة «أحبك» أكثر من مائة مرة، وبالمثل أو أكثر قليلا كتبها علي ... في المرة الأخيرة قالتها لقاتلها قبل أن يغرز السكين في بطنها؛ ليقتلها ويقتل الجنين في أحشائها.
كانت تجلس باكية، مستسلمة لما يحدث، لما تعرف تماما بأنه سيحدث وأتقنت الادعاء بأنها لا تعرف ... اقترب منها قليلا، أخذ السكين وصوبه نحو صدره وفي اللحظة الأخيرة غير وجهته إلى بطنها وهو يصرخ صرخته الأخيرة الفاجعة، تلك التي دوت في كل الآذان المنصتة جيدا، ما جعلهم يسمعون أيضا صرخة الجنين، ثم هوت أرضا مصدرة تلك الآهة العميقة من أحشائها؛ من وجعها وجنينها الذي لحقها بموته.
أطفئت الإضاءة تدريجيا، وأسدلت الستارة، ثم صفق الجمهور بحرارة ممزوجة بالبكاء والابتسامات العريضة.
بدأ الناس بالخروج من الصالة، مروا جميعهم من جانب علي الذي كان يجلس قرب باب الخروج، وأصواتهم تسقط عليه بشكل عشوائي وسريع: كان عرضا مسليا. - تهيأ لي أني سمعت بكاء الجنين. - كل الرجال شكاكون. - الرجال مخلوقات قذرة .. معجونة من الشك والقتل. - هه .. تمثيل. - كانت مبهرة في المونولوج الأخير . - كم أحببته .. لا يستحق الخيانة قط. - يا إلهي كم أحببتها! .. كان يجب ألا تموت.
خرج الجميع واختفت الأصوات من حول علي فيما ظل وحده ينتظر قرب الباب ... أطال التأمل في خشبة المسرح، «قالتها أكثر من مائة مرة»، أسر في نفسه وواصل الانتظار.
جاءت مريم والبسمة ترتسم في كل تفاصيل وجهها المتألق، عانقته بعمق فيما ظل علي باردا شاردا في كل ما حدث. - ما بك؟
قالتها وقد أخذت نصف خطوة إلى الوراء، نظر في عينيها طويلا، وأومأ برأسه أن لا شيء، فأردفت: هل كنت جيدة؟ أعني ... هل كنت كما تخيلتني؟ - كنت صادقة جدا. - أتقصد لحظة الموت؟ - لم أكن أريدهم أن يتعاطفوا معك حينها.
ردت وقد امتلأت بالغيظ: آهه، أجل ... أردتهم أن يشفقوا على الرجل المسكين البائس، ذاك الذي كاد يقتله الشك ما جعله يعاني الفصل الأخير بأكمله، أليس كذلك؟ - لا ... أردتهم فقط أن يسمعوا صرخة الطفل ... أن يروه جيدا ... ذاك المسكين الذي دفع ثمن علاقة لا شأن له بها. - فيم صدقتني إذن؟ - في كلمة أحبك.
نزل درجات الصالة متجها إلى خشبة المسرح، لحقته بهدوء فيما كانت لم تزل ترتدي ملابس الشخصية، ورائحة الدم ما زالت تفوح من المشهد ... وقفا في منتصف الخشبة تماما، في منتصف الصراع، منتصف الخيال .. إلى أن صرخ علي ليوقظ الواقعي فيه: قلتها أكثر من مائة مرة في أقل من خمس سنوات! - لأنك كتبتها أكثر من مائة مرة. - وفي كل مرة أصدقها أكثر .. أنت تجيدين الحب بصدق على الخشبة فقط. - وأنت لا تجيده إلا في النص.
دخل أحد المتفرجين إلى الصالة يبحث عن شيء ما، فاستوقفه المشهد، ثم لحقه آخر وشاهدا عليا يقف في عمق المسرح، ينظر في الستارة السوداء ويتحدث كأنما يحدث نفسه: عشقتهم بصدق ... كدت أسمع أمعاءك تنطق حبا، تراءى لي قلبك يقفز من مكانه فرحا بحبه كما تمزق حزنا لفقده ..
Unknown page