Muharribu Kutub Tumbuktu
مهربو كتب تمبكتو: السعي للوصول إلى المدينة التاريخية والسباق من
Genres
الفصل الرابع عشر
ثقالة أوراق الملك ليوبولد
1865-1905
على الرغم من أن بارت وشربونو كانا قد توصلا إلى أدلة واضحة على أن الناس عبر الصحراء كانوا قد أفرزوا حضارات ملمة بالقراءة والكتابة، فقد كانا يسبحان عكس تيار الفكر السائد في أواخر القرن التاسع عشر. وكانا سيغرقان قريبا.
في نهاية تقريره الخاص بالتوصيات المكون من سبع عشرة صفحة والموجه إلى الجمعية الدولية لقمع العادات المتوحشة، يكشف السيد كورتز، تاجر العاج والبطل المحوري المضاد في رواية جوزيف كونراد القصيرة «قلب الظلام»، عن عدائه الكامن، مشخبطا بيد مرتعشة محمومة: «يجب القضاء على جميع المتوحشين!» كان منطق كورتز الذي يبرر قتل أهل أفريقيا وسرقة مواردهم هو أننا نحن البيض، الذين كنا متقدمين للغاية،
يتحتم علينا الظهور أمامهم [المتوحشين] وكأننا كائنات خارقة للطبيعة؛ يجب أن نبدو لهم كآلهة ... ببعض الإرادة من جانبنا، نستطيع صنع خير لا حد له.
استندت رواية «قلب الظلام» على ما كان كونراد قد رآه بصفته القائد بالوكالة للسفينة البخارية «روا دي بيلج» (ملك البلجيك) في عام 1890 في دولة الكونغو الحرة، الإقليم الذي حقق به ليوبولد الثاني ملك بلجيكا رغبته الطويلة الأمد في حكم مستعمرة. في الكونغو تحت سيطرة ليوبولد، كان من شأن جيش خاص، عرف باسم «القوة العامة»، أن يجعل الناس يجردون أرضهم من ثروتها الطبيعية، بالأساس المطاط والعاج، من أجل إثراء بروكسل. وإذا لم يفوا بالحصص المطلوبة منهم، كان الرجال يقتلون، وتغتصب النساء، وتقطع أطراف الأطفال، وتحرق القرى. قدر عدد من قتلوا في الإقليم نتيجة لحكم ليوبولد بعشرة ملايين، أو تقريبا نصف عدد السكان.
مما لا شك فيه أن جوزيف بانكس كان سيصاب بالذعر عندما يعلم بحجم وحشية الملك البلجيكي في وسط أفريقيا، لكنها كانت من نواح كثيرة امتدادا حتميا للنهج الذي كانت الرابطة الأفريقية قد بدأته؛ مثال متطرف لنمط كان يتكرر في الأراضي المكتشفة في كل مكان من الأمريكتين إلى أسترالاسيا والمنطقة القطبية الشمالية. كانت حقبة الاستكشاف قد انتهت؛ وحلت الآن حقبة الاستغلال. ولكن أولا كان يتعين على القوى العظمى أن تستولي على الأقاليم الأفريقية، وفي أواخر القرن التاسع عشر كان ذلك هو ما فعلته بالضبط. في عام 1870 كانت نسبة 10 بالمائة تقريبا من القارة تحت سيطرة قوة استعمارية. بحلول عام 1914، لم تكن نسبة 10 بالمائة فقط كذلك.
كانت القوة الدافعة للإمبريالية الجديدة جزئيا مالية. في سبعينيات القرن التاسع عشر توقف نمو العديد من الدول الغربية؛ وكان من شأن أوضاعها الاقتصادية أن تظل راكدة لأكثر من عقدين. كانت ثمة حاجة إلى أسواق جديدة ومواد خام، وكانت أفريقيا تمتلك كليهما. تزامنت هذه الحتمية مع ذروة للعنصرية الأوروبية، عززتها أعظم فجوة تكنولوجية شهدها التاريخ على الإطلاق بين العالم الصناعي وأفريقيا، وشجعت عليها نخبة مثقفة قام فكرها على تسلسلات هرمية للعرق تطورت أثناء عصر التنوير. أما القلة الذين كانوا قد زاروا بالفعل أجزاء من القارة أو درسوها، فكانت محاولتهم مقاومة هذا التحول الفكري مستحيلة. كان بارت قد رفض بسطحية من قبل الأكاديمية الملكية للعلوم في برلين لكونه «مغامرا» وليس عالما؛ ولكن إلى أي حد يكمن قرار الأكاديمية في رفضها لروايته لمشاهداته في غرب السودان؟ كانت نظرة المؤسسة الألمانية إلى أفريقيا لا يزال يهيمن عليها تفكير جورج هيجل، الذي كان قد أعلن في أوائل القرن أنها «ليست جزءا تاريخيا من العالم؛ فهي ليس فيها حركة أو تطور يمكن عرضهما.» رفضت الأدلة الواضحة على وجود حضارة هناك، كتلك الموجودة في قرطاج أو مصر، باعتبارها ليست أفريقية على النحو السليم؛ فهي لم تكن «تنتمي إلى الروح الأفريقية.» كانت النتيجة أن «ما نفهمه على نحو سليم من كلمة أفريقيا هو الروح التي لا تاريخ لها ولا تطور، التي لا تزال منغلقة في حالة الطبيعة المحضة ... على عتبة تاريخ العالم.»
لم يكن هيجل أول ولا آخر مفكر أوروبي يسقط القارة وسكانها. في خمسينيات القرن التاسع عشر، كتب عالم الأجناس البشرية جوزيف آرثر جوبينو عمله المهم في علم العنصرية المزعوم، «التنوع الأخلاقي والفكري للأجناس»، الذي اشتمل على تسلسل هرمي عنصري كامل فيه البيض من ذوي الأصل الأوروبي في القمة وذوو البشرة الداكنة في القاع. كتب جوبينو أنه ربما يكون مستكشفون مثل بارك قد «منحوا بعض الزنوج شهادة بامتلاكهم لذكاء شديد»، ولكن كان من غير اللائق استخلاص استنتاجات علمية من لقاءات عرضية مع قلة من الأفراد ذوي الذكاء. كانت الهيئة العامة لجسم الأجناس السوداء دليلا على دونية عرقهم؛ إذ كان لعظام الحوض لديهم «طابع حيواني» بدا وكأنه «ينبئ بمصيرهم»، بينما كانت جباههم «ضيقة ومنحسرة»، وهذه علامة على أنها كانت «أقل في القدرة على التفكير.»
Unknown page