Muharribu Kutub Tumbuktu
مهربو كتب تمبكتو: السعي للوصول إلى المدينة التاريخية والسباق من
Genres
تذكر حيدرة قائلا: «في أحد الأيام، قلت لمعيجا إنني أرى أننا يجب أن نجد حلا لنقل المخطوطات إلى باماكو. وقلت إن الآن هو الوقت المناسب.»
الفصل العاشر
بابا تمبكتو
1850-1854
في صباح يوم الحادي والثلاثين من مارس من عام 1850، غطى ضباب كثيف غرب ليبيا، وهو أمر نادرا ما كان يحدث، منذرا باحتمال سقوط أمطار . كان الربيع مطيرا ، وبينما كان هاينريش بارت وزميله البروسي أدولف أوفرويج ينتظران قائد حملتهما في مكان اللقاء جنوب طرابلس، فوجئا باخضرار الصحراء، التي بدت مثل مرج؛ إذ كانت مليئة بحقول الذرة، والعشب، وقطعان الأغنام، ومجموعة وافرة من زهور برية زرقاء. عندما بدأ المطر يهطل، وصلت جماعة جيمس ريتشاردسون، وراقب بارت بتشكك بينما بدأ خدمه ينصبون خيمة بحجم مستشفى ميداني. هطل المطر بغزارة طيلة الأربع والعشرين ساعة التالية مما جعلهم يؤجلون خططهم للرحيل، لكن مع أن بارت كان محبطا، فإنه لم يوثق هذا في يومياته. كان أخيرا على وشك أن ينطلق في الرحلة التي ستميزه، رحلة ملحمية مدتها خمسة أعوام من شأنها أن تحل لغز قلب أفريقيا الذهبي المفقود.
كان قلة من الرجال مؤهلين جدا لمهمة كهذه بقدر ما كان بارت مؤهلا للاستكشاف. صورته صورة بطباعة الليثوجراف في هيئة شاب متشكك، له شارب متصل بلحيته وظهر مستقيم بصرامة. كان من غرس فيه تلك الصرامة هما والديه، يوهان وتشارلوت بارت من هامبورج، اللذين كانا لوثريين ربيا أولادهما تبعا للمبادئ الصارمة للأخلاق، والواجب، والمثابرة. كان هاينريش الابن الثالث من أربعة أبناء، وقد ولد في عام 1821، وأرسل في عمر الحادية عشرة إلى أكاديمية يوهانيم المرموقة، حيث كان له قلة من الأصدقاء وأظهر ما وصفه أحد معاصريه بأنه «انطواء أرستقراطي.» ومع ذلك كان تلميذا مفعما بالتصميم والحيوية، وكان يشغل وقت فراغه في قراءة تاريخ وجغرافيا الإغريق والرومان باللغتين اليونانية واللاتينية. وفي أيام مراهقته، معتقدا أنه كان ضعيفا من الناحية البدنية، اتبع نظاما من التدريبات والاستحمام بماء بارد، حتى في الشتاء، من أجل تقوية جسده.
بعد أسبوعين من ترك أكاديمية يوهانيم في عام 1839 التحق بجامعة برلين، إحدى أكثر المؤسسات التعليمية حيوية في ذلك الوقت، حيث كان من ضمن زملائه من الطلاب كارل ماركس، وفريدريش إنجلز، وسورين كيركجور. تلقى بارت تعليمه على يد اثنين من عمالقة العلم في القرن التاسع عشر: كارل ريتر، مؤسس الجغرافيا الحديثة، وألكسندر فون هومبولت، عالم الطبيعة الذي كان قد قام برحلة استكشاف ملحمية دامت خمسة أعوام في أمريكا اللاتينية جمع فيها ستين ألف نوع من النباتات وخمسة وثلاثين صندوقا من الحشرات، والطيور، والأحجار، وغيرها من العينات. من شأن هذا التعليم الراقي وحده أن يميز بارت عن المغامرين الذين كانوا قد مضوا للاستكشاف من قبل. كان يحمل معه كتاب كولي «نيجرولاند»، وتكشف يومياته عن معرفة تفصيلية بالجغرافيين العرب، وكذلك باكتشافات سابقيه بارك، وكاييه، والضابط البحري الاسكتلندي هيو كلابرتون، الذي زار وسط أفريقيا في عشرينيات القرن التاسع عشر. لا بد أنه كان يبدو لخبراء الجمعية الجغرافية الملكية المسنين متعلما تعليما زائدا عن اللزوم، لكنه يمكن أيضا أن يوحي بخبرة كبيرة في المجال. وبعد عام من تخرجه في الجامعة كان قد انطلق في رحلة منفردة لمدة ثلاث سنوات من طنجة عبر بلاد البربر والشرق الأوسط. وفيما بين طرابلس ومصر تعرض للهجوم ليلا على يد عصابات بدوية، وأصيب بطلقات رصاص في كلتا ساقيه وسقط مغشيا عليه. وعندما عاد إلى الديار، كان، بحسب زوج أخته ولاحقا كاتب سيرته الذاتية جوستاف فون شوبرت، «صامتا ومنطويا على نفسه»، ورجلا يصعب التعرف عليه:
استغرق الأمر وقتا طويلا قبل أن أتمكن من إذابة الجليد الذي كان يحيط بقلبه ومن التعرف على أعماق شخصيته. في خطابه الأول لي، كتب: «إن جعلت أختي تعيسة، فسأرديك قتيلا»، وهو ما كان واضحا بما يكفي.
تحت هذه القشرة الخارجية كان يوجد رجل يحتاج إلى أن تكون ثمة حاجة إليه؛ فقد كتب ذات مرة أن هدفه الوحيد هو أن «أكون «نافعا» للبشر، وأن أشجعهم على التنوير المشترك، وأن أغذي أرواحهم وأمنحهم القوة.» من المؤسف أن رواية بارت عن رحلته في شمال أفريقيا كانت مخيبة لآمال البشرية. كتب ناقد بمجلة «أثينيوم» عن كتابه «رحلات على شواطئ البحر المتوسط القرطاجية والقورينية» أنه «عينة محيرة أكثر ... من بعض من أسوأ أخطاء النثر الألماني التي نادرا ما وقعت في طريقنا»، وألغيت الخطط المتعلقة بكتابة مجلد ثان. الأمر الذي كان أكثر إيلاما حتى من الانتقادات المهنية التي تلقاها في هذا الوقت كان الرفض الذي تلقاه لعرض بالزواج. كتب شوبرت، دون أن يسجل اسم المرأة: «كانت التجربة بمثابة لطمة شديدة لكبرياء بارت.» ثم أضاف: «دام خوفه المرير من العلاقات العاطفية وقتا طويلا بعد ذلك، وحتى في الأعوام اللاحقة لم يستطع أن يرغم نفسه على الزواج.»
ليس ذلك مهما. سيوظف بارت شغفه في البلدان الأجنبية، حيث كان دوما يبدو أكثر ارتياحا.
Unknown page