Muharribu Kutub Tumbuktu
مهربو كتب تمبكتو: السعي للوصول إلى المدينة التاريخية والسباق من
Genres
لم يدم قنوط بارك طويلا. فبحلول شهر فبراير كان قد ارتحل مسافة ثلاثمائة ميل إلى الداخل، ووصل إلى مملكة كارتا، حيث أحسن الملك دايزي كوراباري استقباله. وبغية تجنب اندلاع الحرب الوشيك بين دايزي وجاره مانسونج ديارا، ملك البامبارا، اتجه المستكشف شمالا صوب لودامار، الأرض التي كان هوتون قد اختفى فيها. كان «المور» - وهو الوصف الأوروبي الشامل لمسلمي شمال أفريقيا من البربر أو من ذوي الأصل العربي - يقطنون هذا الإقليم، الواقع بالقرب من حدود مالي وموريتانيا الحاليتين، وكان من شأن تجربة بارك هناك أن تمثل له علامة فارقة لبقية حياته.
في أيامه الأولى في لودامار عرف على الأقل المصير الذي كان قد آل إليه هوتون. كان العسكري الأيرلندي قد دفع لبعض تجار المور مقابل أن يرشدوه للطريق إلى تمبكتو، حسبما قيل لبارك، ولكن بعد يومين أصابه الارتياب من نواياهم وأصر على أن يعود أدراجه، وعندئذ سرقه التجار وانطلقوا تاركين إياه دون طعام ولا ماء. وبعد أن سار هوتون أياما عدة وصل إلى بئر، ولكن الناس الذين التقى بهم هناك رفضوا أن يعطوه أي طعام. كتب بارك يقول: «ليس معروفا على وجه التحديد إن كان قد هلك جوعا، أو قتل على الفور على يد المحمديين المتوحشين.» جر جسد العسكري إلى الغابة، وأطلع بارك على الموضع بالضبط الذي كان قد ترك فيه ليهلك.
لم تثن هذه القصة البشعة بارك عن التعمق أكثر في لودامار، ولا تصريح جونسون بأنه سيتنازل عن أي مطالبة بمكافأة في مقابل ألا يمضي قدما خطوة واحدة أبعد. منحه بارك نسخا من أوراقه ليعود بها إلى نهر جامبيا وتابع طريقه مع ديمبا، لكنهما تعرضا لمضايقات متزايدة من سكان الإقليم، الذين حاولوا استفزاز المستكشف بالفحيح والصياح فيه والبصق على وجهه، وإخباره بأن كونه مسيحيا فمن حقهم سلب ما معه من متعلقات. وفي السابع من مارس، دخلت مجموعة منهم الكوخ الذي كان يقيم فيه وقبضوا عليه. أخذوه إلى بينوم، إلى مخيم علي، حاكم البلد؛ الذي كان رجلا «طاغية وقاسيا»، بحسب بارك. حبس علي المستكشف وكإهانة إضافية له ربط خنزيرا خارج الكوخ الذي كان محتجزا فيه. بعد ذلك عذب أتباع مخيم علي - الذين يعدون «أسوأ المتوحشين على وجه الأرض»، من وجهة نظر بارك - كلا من الحيوان النجس والمسيحي من شروق الشمس وحتى غروبها:
هنا وجدت صفات الفظاظة، والوحشية، والتعصب، التي تميز المور عن بقية البشر، شخصا مناسبا ليمارسوا عليه نزعاتهم. كنت «غريبا»، وكنت «بلا حماية»، وكنت «مسيحيا»؛ وكل اعتبار من هذه الاعتبارات كاف لطرد كل شرارة إنسانية من قلب الموري؛ لكن عندما امتزجت، كما في حالتي، في نفس الشخص، وساد الشك في أنني كنت قد جئت بصفتي جاسوسا إلى البلد، سيسهل على القارئ أن يتخيل أنه، في موقف كهذا، كان لدي كل الأسباب التي تدعوني إلى الخوف.
يمكن القول، بالنظر إلى سلوك الأوروبيين في المستقبل في أفريقيا، إن بارك كان «بالفعل» جاسوسا، مع أنه كان من شأن بانكس أن يقول إن رحلته كانت تجري من أجل دافع أنقى يتمثل في زيادة المعرفة البشرية. على أي حال، كانت هذه هي أسوأ فترة في حياة الشاب، وستظل تطارده في أحلامه لأعوام لاحقة. بينما كان يعاني نوبات الملاريا، قيل له بطرق مختلفة إنه سيعدم أو تقطع يده أو تفقأ عيناه، وتعرض لإعدام وهمي. حرم من الطعام، وعندما حل موسم الحر وأصبح الماء شحيحا، صار يشرب الماء من حوض للماشية، حيث خشي المسلمون من أن تسمم شفتاه المسيحيتان أوعية شربهم. وإذ لم يكن الأمر واضحا له بالفعل، ففي أبريل، وصل شريف - وهو رجل زعم أنه ينحدر مباشرة من نسل النبي محمد - إلى المخيم وفسر له سلوك قبائل الصحراء تجاه المسيحيين. كان الشريف قد قضى عدة سنوات في تمبكتو وسأل بارك إن كان ينوي أن يسافر إلى هناك. وعندما أجاب بارك بأنه ينوي ذلك، ما كان من الرجل إلا أن «هز رأسه، وقال إن هذا «غير مقبول»؛ وذلك لأنه كان ينظر إلى المسيحيين هناك باعتبارهم أبناء الشيطان، وأعداء النبي.»
من الواضح، مع ذلك، أن الشريف أشفق على الاسكتلندي الشاب وأخبره بموقع المدينة الأسطورية. ومن أجل أن يبلغها، كان عليه أولا أن يسافر إلى والاتا، على مسيرة عشرة أيام، وكانت تمبكتو تبعد عنها مسيرة أحد عشر يوما أخرى. سأله بارك مرارا وتكرارا عن الاتجاه الذي تقع فيه المدينة، ودوما كان الشريف يشير إلى جهة الجنوب الشرقي، دون أن يغير الاتجاه مطلقا قيد أنملة.
في أواخر يونيو من عام 1796، بعد ثلاثة شهور في الأسر، تمكن بارك من الهرب، وإن كان قد تعين عليه أن يترك وراءه ديمبا، الذي كان قد أخذ ضمن جيش عبيد علي. سافر بارك عبر السافانا، مختبئا من مجموعات «المور»، ودنا من نهر النيجر بالقرب من سيجو عاصمة أمة البامبارا. وفي العشرين من يوليو أخبره رفقاؤه في السفر أنه سيرى النهر العظيم نفسه في اليوم التالي. كان متحمسا للغاية لدرجة أن النوم قد جافاه وأسرج حصانه قبل أن يطلع النهار، لكن بوابات القرية التي كان يقيم فيها كانت تبقى موصدة ليلا لإبعاد الأسود عنها، وانتظر بفروغ صبر أن يطلع الفجر. وأخيرا فتحت البوابات، وبعد ساعتين من السفر أبصر جائزته:
بينما كنت أنظر حولي بتلهف بحثا عن النهر، صاح أحد [رفقائي]: «انظر إلى الماء»؛ وإذ نظرت أمامي، رأيت بسرور لا حد له الهدف العظيم لمهمتي؛ نهر النيجر المهيب الذي طال السعي إليه، يتلألأ تحت أشعة شمس الصباح، في اتساع نهر التيمز عند وستمنستر، ويتدفق ببطء «في اتجاه الشرق».
كان قد أصبح أول مستكشف أوروبي تقع عيناه على نهر كان وجوده مصدرا للتكهنات منذ زمن هيرودوت. لم يفاجئه أن يجد أنه يتدفق في اتجاه شروق الشمس - في الاتجاه المضاد لذلك الذي اعتقده علماء الرابطة الأفريقية - إذ كان ذلك ما قاله له كثير من الناس الذين قابلهم. أما عن مصبه، فحتى التجار الذين سافروا فيه لم يكن يبدو أنهم يعرفون في أي موضع يبلغ البحر، لكنهم فقط قالوا إنهم يعتقدون أنه يجري «إلى نهاية العالم.»
هرع إلى حافة النهر، وشرب بعضا من مائه، ثم صلى صلاة شكر حارة إلى الرب لأنه كلل مساعيه بالنجاح.
Unknown page