Muharribu Kutub Tumbuktu
مهربو كتب تمبكتو: السعي للوصول إلى المدينة التاريخية والسباق من
Genres
أبلغ كبار ممثلي الدولة أنه يتعين عليهم أن يغادروا وأن يأخذوا معهم ما يمكنهم أخذه. وعندما انتشر نبأ أن ممثلي الحكومة كانوا ينسحبون، بدأ الذعر يسري في المدينة.
وفي صبيحة ذلك اليوم، كان القاضي متلهفا إلى الاستجابة إلى طلب مديره بأن ينقل كل الأغراض القيمة من معهد أحمد بابا. ركب دراجته البخارية وانطلق مغادرا المنزل الذي كان يسكن معه فيه زوجته، وطفلاهما الصغيران، وشقيقه في حي أباراجو في شمال غرب المدينة. وبينما كان يقود دراجته البخارية عبر السوق صوب مبنى معهد أحمد بابا في شارع شيمنيتز، رأى الناس يجرون في كل اتجاه، بعضهم من أجل أن يحملوا عائلاتهم ومتعلقاتهم في الشاحنات، والحافلات، وسيارات الدفع الرباعي التي كانت تتجه جنوبا، وآخرون من أجل أن يتركوا أطفالهم مع أصدقائهم أو أقاربهم الذين كانوا يعيشون في مناطق أكثر أمنا في المدينة، بعيدا عن معسكر الجيش. وأينما كان القاضي يتوقف، كان يسمع الناس يتحدثون عن أفضل الطرق للهروب. وعندما وصل إلى المعهد، أخذ الكمبيوتر المحمول الخاص به، وكاميرا من طراز كانون، ومحرك أقراص صلبة كان يستخدمها لرقمنة المخطوطات، ووضعها في حقيبة، ثم قاد دراجته البخارية عائدا عبر فوضى السوق إلى منزله، حيث ظل بقية اليوم.
كان إخوته في المملكة العربية السعودية، وبوركينافاسو، وكوت ديفوار يتصلون به على مدى عدة أيام، يستحثونه للوذ بالفرار من الإرهابيين. ورغبت زوجته، فطومة، هي الأخرى في المغادرة، لكن القاضي ارتأى أن لحظات الذعر هذه هي الأخطر، حيث إن ذلك هو الوقت الذي يفقد فيه الناس صوابهم. قال لها إن الموقف سيستقر وإنها سترى ذلك. جلسا أمام التليفزيون، يتنقلان بين قنوات الجزيرة، وفرنسا 24، وبي بي سي وورلد نيوز. أحيانا، عندما كان يشتد قلقهما، كانا لا يشاهدان أي شيء على الإطلاق.
عندما مضى وقت ما بعد الظهر وحل المساء، أصبح الطريق جنوبا من تمبكتو مختنقا بأناس يحاولون الهرب، فرارا نحو العبارة في كوريومي، والمعبر الصحراوي الطويل المؤدي إلى دوينتزا والجنوب. غادر مانجارا ودامانجو في الساعة السادسة مساء. أما العسكريون الآخرون الذين لم يتمكنوا من الهرب أو لم يرغبوا في ترك عائلاتهم في تمبكتو، فهجروا معسكر الجيش وحاولوا الاختباء وسط السكان. وفي استعجالهم للفرار من قاعدتهم، تركوا وراءهم متعلقاتهم وتجهيزاتهم: الماشية ، وأدوات الطبخ ، وأجهزة التليفزيون. وحيث إنهم لم يتلقوا أوامر واضحة، تركوا أيضا مخزونهم الاحتياطي من الأسلحة والذخيرة.
عند الغسق، ذهب إسماعيل ديادي حيدرة، مالك مكتبة فوندو كاتي، إلى سانكوري للقاء أصدقائه، الذين كانوا يجتمعون هناك كل ليلة. كان يسيطر على المدينة الآن نوع من «الذهان الاجتماعي»، حسبما تذكر إسماعيل، وهو رجل دمث الخلق يضع نظارة مستديرة صغيرة. قال البعض إن المتمردين سيصلون في أي لحظة؛ بينما قال آخرون إن هذا غير صحيح، وإنهم لن يأتوا أبدا. كان أشد ما يعتريهم هو الشعور بالعجز. فكر في ابنيه الصغيرين، اللذين كانا معه في تمبكتو، وفي آلاف المخطوطات في المكتبة التي كانت في الناحية المقابلة من منزله في حي هامابانجو الشرقي.
في الساعة السابعة مساء، عاد إسماعيل إلى البيت. وعندما خلد الابنان إلى النوم، ذهب إلى المكتبة. كان قد نقل بالفعل بعضا من مخطوطاته إلى مخبأ، والآن بدأ ينقل بقيتها من فوق الأرفف إلى خزائن. وجد من المستحيل أن يحدد الأولويات؛ «أي مخطوطات يمكنني أن آخذ؟ وأيها سأترك لتتعرض للإتلاف؟ إن الأمر كما لو كنت تسأل والدا أن يختار من بين أبنائه، من سينقذ ومن سيضحي به.» ظل يعمل حتى الساعة الحادية عشرة مساء، ثم مضى إلى فراشه. وفي أنحاء تمبكتو رقد الناس مستيقظين، يصغون إلى أصوات المدينة وهي تخلو من سكانها. •••
كان الظلام لا يزال مخيما عندما غادر إسماعيل منزله في الصباح التالي ليتمشى على الكثبان الرملية. كانت قد نمت لديه عادة تمضية ساعة عند بزوغ فجر كل يوم في التجول في المدينة، مستنشقا هواء الفجر العليل، ومستقبلا أول ضوء شاحب، وبدء الحياة كل يوم. كان الشارع خاليا من المارة وهو ينسل عبر باب الجدار الخارجي للمجمع السكني ويغادر متجها نحو حافة المدينة. لم يكن قد مضى إلا بضع مئات من الخطوات عندما رآه أحد جيرانه. قال له الرجل إن الخروج من المنزل ليس آمنا. قال إسماعيل محتجا: «إنني ذاهب للتمشية لبعض الوقت»، لكن الجار كان لجوجا، فقرر أن يعود أدراجه. عاود الدخول إلى ساحة المنزل بعد بضع دقائق، بينما بدأت الشمس تطلع. وعندما جاء ابنه ذو الأربعة عشر ربيعا خارجا من المنزل للقائه، سمعا صوتا حادا لطلقتين من أعيرة نارية. «أبي، هل سمعت ذلك؟ لقد جاء المتمردون.»
قال إسماعيل: «سمعته.»
كان هذا بعد الساعة السادسة صباحا بقليل.
بعد بضع دقائق، جعلت قعقعة الأعيرة النارية الناس يستيقظون مفزوعين في سائر أنحاء تمبكتو. استيقظ ديادي حمدون معيجا، الذي كان نائبا سابقا لرئيس البلدية، في بيته في ساراكينا، شرقي المدينة، على صوت رنين طلقات نارية «في كل مكان». في أباراجو، وجد القاضي، الذي كان مستيقظا منذ الساعة الخامسة، أن طقسه اليومي الذي يشتمل على الاستيقاظ، والصلاة، والاستماع إلى الأخبار، قد قاطعته أصوات فرقعة الأعيرة النارية. قال له شخص ما إنه صوت طائرة، لكنه كان يعرف أنه لم يكن كذلك.
Unknown page