فقال: «وجيزة قصتي، فقد انطفأت فقاقيع غروري فجأة وإليك حكايتي:
بينما كنت جالسا إلى نافذة في قصري، كان وزيري يتمشى مع سفير أجنبي في حديقتي، وعندما صارا على مقربة من نافذتي، سمعت الوزير يتكلم عن نفسه قائلا: «أنا مثل الملك أتعطش للخمرة المعتقة، وأعشق جميع ضروب المقامرة، ويثور بي ثائر الغضب كسيدي الملك.» ثم توارى الوزير والسفير بين الأشجار، ولكنهما ما لبثا أن عادا بعد برهة، وإذا بالوزير يتكلم عني في هذه المرة قائلا: «إن سيدي الملك مثلي يستحم ثلاثا في النهار».»
وسكت لحظة ثم زاد قائلا: «في عشية ذلك اليوم تركت بلاطي، ولا شيء معي سوى عباءتي؛ لأنني لم أشأ بعد ذلك أن أكون ملكا على قوم يدعون نقائصي لأنفسهم، ويعزون فضائلهم إلي.»
فقلت له: «ما أغرب قصتك وما أعجب أمرك!»
فأجابني قائلا: «ليس هنالك من غرابة يا صاحبي، فقد قرعت أبواب سكينتي طامعا منها بالكثير، فلم يكن لك منها سوى اليسير، بربك قل لي: من لا يستبدل مملكته بغاب تترنم فيه الفصول، وترقص طروبة أبدا، كثيرون هم الذين تركوا ممالكهم ليستبدلوها بأدنى مراتب الوحدة والتمتع بحياة العزلة السعيدة؟ وكم هنالك من نسور هبطت من جوها الأعلى لتعيش مع المناجذ
1
في أنفاقها الصامتة، فتتفهم أسرار الغبراء،
2
بل ما أكثر الذين يعتزلون مملكة الأحلام لكي لا يظهروا للناس أنهم بعيدون عمن لا أحلام في نفوسهم، والذين يعتزلون مملكة العري ساترين عرية نفوسهم حتى لا يستحي الأحرار من النظر إلى الحق عاريا، والتأمل في الجمال سافرا، وأعظم من هؤلاء جميعهم ذاك الذي يعتزل مملكة الحزن، لكي لا يظهر للناس معجبا مفاخرا بكآبته.»
ثم نهض متوكئا على قصبته، وقال: «ارجع الآن إلى المدينة العظمى! وقف بأبوابها مراقبا جميع الداخلين إليها والخارجين منها، واعن بأن تجد الرجل الذي زعم أنه ولد ملكا فهو بدون مملكة، والرجل الذي زعم أنه مسود بجسده فهو سائد بروحه - ولكنه لا يدري بذلك ولا رعاياه يدرون بسيادته - والرجل الذي يبدو للعيان حاكما، ولكنه في الحقيقة عبد لعبيد عبيده.»
Unknown page