Mughalatat Lughawiyya

Cadil Mustafa d. 1450 AH
187

Mughalatat Lughawiyya

مغالطات لغوية: الطريق الثالث إلى فصحى جديدة

Genres

وإذا كنا لا نتفق مع الأستاذ سعيد عقل في الحل الذي خلص إليه، فنحن نذكر له التفاته المبكر للمشكلة وإدراكه العميق لخطرها.

موت اللغات هو ألا تعود تستعمل.

وما تعانيه العربية اليوم ليس محلا للجدل بل للملاحظة.

ما تعانيه العربية اليوم أشبه بالموت السريري: لكأنها ماتت ونحن نتكتم الخبر ونحفظ حياتها اصطناعيا بمضخات التنفس والتقطير الوريدي.

وما أوصلنا لهذه الحال سوى سلف أغلق باب الاجتهاد، وخلف لج في التزمت، ومجمع تردد في العلاج، وأساتذة ترددوا في التعريب، ومرفق تعليمي باع التعليم وأكل من خبز الهيكل، وشعراء اغتربوا وأغربوا وآثروا أن يكتبوا لأنفسهم لا للناس، وعقل عربي عقم عن الإبداع وهو مشطور بين فصحى لا يجيدها وعامية لا تجيده! (1) تشبيه دورة الحياة

هذا جاثوم ما قصصته إلا لكي أنذر بحجم الخطر الذي يتهددنا، وحرج الموقف الذي نعيشه؛ فاللغة وسيط التفكير والحس والشعور والإبداع، وموت اللغة يعني موت هذه الأشياء جميعا. على أن الأمر لا يعدو أن يكون «تشبيها» أو «مماثلة» (أنالوجي): فالحق أن اللغة «تشبه» الكائن الحي ولكنها ليست كائنا حيا، وقد سبق لفلاسفة التاريخ أن شبهوا الحضارات بالكائن الحي وأخذوا ب «مماثلة دورة الحياة»

Life Cycle Analogy ، فارتكبوا مغالطة، وبلغ الغلو بالبعض أن يمتد بالتشبيه إلى تبرير الاستعمار!

3

وفاته أن الشبه غير الهوية، وأن التشبيه وسيلة إيضاح لا برهان، وأن التشبيه قد ينطبق في جوانب ولا ينطبق في أخرى؛ وعليه فإذا كانت اللغة مثل الكائن الحي تنشأ وتنمو وتشيخ وتموت، فإنها بعكس الكائن الحي قد تحتفظ بالحياة بل قد تعاد إلى الحياة إذا شاء أهلها ذلك: فقد اختار اليابانيون الاحتفاظ بلغتهم في أحلك الظروف كأداة للعلم وعنوان للهوية، وقد بعث جيراننا الألداء العبرية من مرقدها لتكون لغة حياة وأدب وعلم، وإن مهمتنا تجاه العربية لأيسر بكثير من مهمتهم التي بدأوها وأكملوها! وإن لدينا من الدواعي القومية والروحية مثل ما لديهم وزيادة. (2) بين الحتمية الاجتماعية والمذهب العملي

تخضع اللغة في سيرها، كما يقول د. علي عبد الواحد وافي، لقوانين مطردة ثابتة، لا يد لأحد على وقف عملها أو تغيير ما تؤدي إليه ، ولا نقصد بذلك أن نقرر مبدأ الجبرية المطلقة في حياة اللغة، ولا أن ننكر إمكان التدخل في شئونها، ولكننا نقصد بذلك أن نبين أن كل تدخل يتنافر مع القوانين الطبيعية التي تسير عليها اللغة في حياتها لن يغير شيئا مما تقضي به هذه القوانين، وأن التدخل المنتج هو الذي يساير هذه القوانين، ويهيئ الظروف المواتية لتحققها في الناحية المقصودة.»

Unknown page