122

وقد حدث فعلا أن اقترح المفاوضون البريطانيون مشروعا لبروتوكول، ذكر فيه حق السودانيين في أن يعلنوا استقلالهم، ولكن المفاوضين المصريين رفضوا هذا النص، وأقر الفريق البريطاني هذا الرفض.

بل إن النص النهائي للبروتوكول لم يقصد به غير الحكم الذاتي، فضلا عن أنه حرص على تحديد حق السودانيين في اختيار نظام السودان المقبل، فوصفه بأنه حق ناتج عن «قدرة الشعب على إدارة نفسه » أي لا يتعدى الإدارة الذاتية الداخلية، ولا يعني مطلقا الانفصال سياسيا عن مصر.

وزيادة عما تقدم، فإن سياسة الطرفين الساميين المتعاقدين في السودان، يجب أن تطبق في نطاق وحدة مصر والسودان تحت التاج المصري، وهذا يستبعد اعتراف مصر وبريطانيا العظمى بحق السودانيين في قطع العلاقات، التي تربطهم بمصر وتاج مصر قطعا تاما.

وعلى هذا، فلا يسع الحكومة الملكية المصرية إلا أن تبدي دهشتها من تفسير الحكومة البريطانية لنصوص البروتوكول، تفسيرا يفقد هذا البروتوكول كل معنى وكل مفعول.

والحكومة الملكية المصرية حريصة على أن توضح مرة أخرى، أن سيادة مصر على السودان قائمة من الوجهتين التاريخية والشرعية، بصرف النظر عن اعتراف بريطانيا العظمى بهذه السيادة، فهي ليست حادثا جديدا من شأنه تعديل النظام الذي يخضع له السودانيون، بل هي تسجيل لحالة قائمة ليس في وسع أية هيئة دولية أن تعترض عليها.

وقد يحدث في المستقبل أن يؤثر السودانيون الاستقلال على الاتحاد مع مصر، ففي هذه الحالة ستتخذ مصر القرار، الذي تمليه عليها الروابط الأخوية التي تربط مصر بالسودان.

غير أن الاستقلال مسألة قومية تهم فقط الشعب الذي يطلب الاستقلال، والدولة التي تمنحه أو تعترف به، وليس من شأن أية دولة، حتى ولو كان لها حق الاشتراك في إدارة الشعب الذي يهمه الأمر، أن تتدخل فتطلب باسم هذا الشعب استقلالا لا يملك الشعب بعد قدرة للمطالبة به.

وفضلا عن هذا، فإن التخلي عن السيادة المصرية على السودان، لمدة غير محدودة في المستقبل لا يصح تسجيله في بروتوكول ملحق بمعاهدة تحالف ثنائية، تعقد لمدة عشرين سنة.

فلهذا لا يسع الحكومة الملكية المصرية - بهذا الصدد - أن توافق على تفسير الحكومة البريطانية لبروتوكول السودان، سواء في التصريحات التي قد يدلي بها مستر بيفن في البرلمان، أو في مشروع الخطاب الذي عرضه على الحكومة الملكية. •••

وطلب مستر بيفن أن يكون مفهوما بصورة قاطعة أن نظام الحكم الحاضر في السودان سيظل محترما ... وقد وافق المفاوضون المصريون في لندن على أن النظام الإداري، الذي نصت عليه اتفاقية 1899، وعدلته معاهدة 1936 سيظل نافذا، غير أن الموافقة على استمرار نظام إداري معين، لا تعني مطلقا أن هذا النظام يجب أن يظل نافذا في المستقبل بدون أي تعديل، بل بالعكس، فإن البروتوكول نفسه ينص على أن يكون الهدف الجوهري لسياسة الطرفين الساميين المتعاقدين، ورفاهية السودانيين، وإنماء مصالحهم، وإعدادهم باطراد للحكم الذاتي، ومن ثم لممارسة ما ينتج عنه من حق اختيار النظام القادم للسودان.

Unknown page