ومما هو جدير بالذكر أن المغفور له «النقراشي باشا» - وقد كان عضوا في هيئة المفاوضة المنحلة - قد تولى في هذه الجلسة الدفاع عن المشروع، مبينا في بلاغة وفي يقين، النواحي العديدة التي جعلت منه مشروعا متفقا مع مصلحة البلاد كل الاتفاق، وقد كان لبيان رئيس الحزب السعدي الأثر الكبير في توجيه رأي النواب، نحو الثقة بالحكومة والموافقة على تصرفها.
الدفاع المشترك ... وحلف الأطلنطي
وغني عن البيان، أن مسائل السودان وشروط المحالفة، والأوضاع الجديدة لهيئة الدفاع المشترك التي أقامت الكثيرين وأقعدتهم، فجعلوا منها التكأة التي حاولوا بها تأليب الرأي العام على المعاهدة ... كان كل ذلك مثارا للكثير من الأخذ والرد، اللذين انتهينا باقتناع النواب بصلاحية المشروع بكامل نصوصه، بل بالترحيب به.
وعلى ذكر المحالفة والدفاع المشترك، لعله يكون من الخير، ومن الإنصاف في الوقت ذاته، لواضعي مشروع المعاهدة المصرية البريطانية، الإشارة إلى تأييد الرأي الذي أجمعت عليه دول الغرب في الآونة الأخيرة، ممثلا في نصوص «حلف الأطلنطي»، الذي عقد أخيرا بين دول عدة، ومرده إلى ضرورة التحالف بين الدول ذات المصالح المتماثلة؛ للدفاع عن الكيان المشترك، وعن المبادئ التي رأت هذه الدول ضرورة الاستمساك بها ... وقد بني حلف الأطلنطي أول ما بني على ضرورة إنشاء مجالس الدفاع المشتركة، التي جعل من المهام الموكولة إليها - كما كان الحال في المشروع المصري البريطاني - تنسيق أدوات الدفاع، وتتبع أمور التسليح وتقويته؛ صونا لتراث الإنسانية، ومحافظة على الحريات، ولم يقل أحد أن إيجاد أمثال هذه الهيئات مؤد إلى سيطرة بعض الدول على بعض، بل قد شعر الجميع أن الوضع الجديد كفيل باحترام جميع الحقوق، ومؤد إلى نشر الطمأنينة، وتجنيب الإنسانية شر الحروب والخصومات.
لماذا فشل المشروع؟
وقد كان المنتظر بعد أن أقر الجانب المصري مشروع المعاهدة، أن يتوج بالتصديق الرسمي من الطرفين، ولكن عين الاستعمار كانت ساهرة، والدسائس التي أشرنا إليها فيما سبق - ومقرها دوائر حكومة السودان من ناحية ، وبعض دوائر وزارة الخارجية البريطانية من ناحية أخرى - كانت تعمل عملها، فتمخض كل ذلك عن مذكرة سلمت إلينا في 6 ديسمبر سنة 1946، رددنا عليها بمذكرة في اليوم التالي لورودها، وفي هذه المذكرة التي نختتم بها بيان الأوضاع الأخيرة للموقف المصري في عهد الوزارة، التي كنت متشرفا برئاستها، جميع ما يحتاج إليه كل راغب في تتبع الحوادث والمرامي؛ ليبدي في أمر المفاوضات الأخيرة بين مصر وبريطانيا حكما صحيحا عادلا.
وفيما يلي ترجمة المذكرة التي وضعناها في هذا الصدد، ورأينا بعد وضعها التخلي عن الحكم، سواء لحالة صحية استبدت بنا؛ أو لأننا رأينا، أن الأولى بتولي الحكم في مثل الظروف التي صادفتنا يومئذ من يكون أقدر منا على الاستعانة بالرأي العام ممثلا في الأحزاب صاحبة الأغلبية.
مذكرتي الأخيرة للحكومة البريطانية
تعقيبا على مذكرة صاحب الجلالة البريطانية، التي سلمت في 6 ديسمبر سنة 1946 إلى سعادة سفير مصر في بريطانيا العظمى، تتشرف الحكومة الملكية المصرية بأن ترد فيما يلي على مختلف المسائل التي عولجت في المذكرة المشار إليها.
فيما يتعلق بالسودان، يتضح من مشروع الخطاب الذي أعده مستر بيفن، ومن التصريحات التي قد يدلي بها في مجلس العموم، أن بروتوكول السودان سينص على منح السودانيين من الآن حق المطالبة بالاستقلال التام؛ أي بعبارة أخرى حق الانفصال التام عن مصر ... لكن المفاوضين المصريين لم يوافقوا - ولم يكن في وسعهم أن يوافقوا - على أن يكون النص الذي تعترف بريطانيا العظمى بموجبه بوحدة مصر والسودان تحت تاج واحد، هو التاج المصري، متضمنا في آن واحد التخلي عن هذه السيادة بمنح السودانيين حق المطالبة بالاستقلال والانفصال عن مصر.
Unknown page