Misr Min Nasir Ila Harb Uktubir
مصر من ناصر إلى حرب
Genres
وعندها أسرع إسماعيل فهمي يدعو الجميع إلى المائدة.
عند افتراقنا بعد انتهاء حفل الغداء قال لي كيسينجر إن أحدا أخبره في وقت سابق أن سفير الاتحاد السوفييتي لدى القاهرة رجل صعب المراس
Tough Guy . ولكنه يرجو على أية حال أن يتم التعاون مع سفير الولايات المتحدة الأمريكية الذي تم تعيينه للتو لدى مصر هيرمان إيلتس (وهو من أصل ألماني مثل كيسينجر، وكان سفيرا قبلها للولايات المتحدة لدى المملكة العربية السعودية، ومستعرب).
فأجبته قائلا: «حسنا. إنني على استعداد للتعاون مع «لورانس العرب» الأمريكي، بشرط ألا تنشب مشكلة بين ال (
Monkey Business ) والجانب الأمريكي». انفجر كيسينجر ضاحكا. لقد كانت المزحة مفحمة.
وفي اليوم التالي نشرت الصحف عددا من عناصر الاتفاق التي تم التوصل إليها بين السادات وكيسينجر، وخاصة ما يتعلق منها بانسحاب القوات الإسرائيلية إلى مواقع الثاني والعشرين من أكتوبر وذلك في إطار «اتفاق شامل» حول «فك الاشتباك» بين القوات المصرية والإسرائيلية. ولم يكن هناك ثمة شيء جديد في ذلك؛ فبدلا من تنفيذ قرار سحب القوات دون قيد أو شرط، تم الاتفاق على مفاوضات في إطار اتفاق ما حول «فك الاشتباك». وبذلك دخلت المفاوضات بل والتسوية أيضا في طريق موحل ملتو، إلى هاوية لا يسبر غورها.
لم يبلغنا المصريون بشيء عن جوهر هذا الاتفاق. وبعد مرور أربعة أيام بعدما نشرته الصحف المصرية لبعض ما تضمنه الاتفاق في هذا الشأن، دعاني إسماعيل فهمي وقدم لي ورقة تحتوي على نفس ما نشرته الصحف. تناولتها وبعد أن قرأتها، قلت له دون اهتمام: إنني علمت بكل ذلك منذ فترة بعيدة من الصحف. وقد استشاط فهمي غضبا من ردي.
بدأت المفاوضات الصعبة الخاصة بالإعداد الفعلي لمؤتمر السلام العالمي، التي دارت حلقاتها بين موسكو وواشنطن ونيويورك والقاهرة ودمشق وتل أبيب. وكان علي في هذه المدة أن أواصل الاتصالات بشكل مستمر، ليس فقط مع إسماعيل فهمي، وإنما مع السفير الأمريكي لدى القاهرة هيومان إيلتس الذي وصل إلى العاصمة المصرية على وجه السرعة. وذات يوم من أيام ديسمبر هاتفني إيلتس قائلا: إن كيسينجر سيصل مرة أخرى إلى القاهرة وهو يود أن يلتقي بكم سواء عند وصوله إلى المطار أو عند مغادرته.
كانت اللعبة مكشوفة؛ فوزير الخارجية الأمريكي يريد أن يخلق انطباعا مفاده أن السفير السوفييتي يستقبل كيسينجر أو يودعه في المطار.
أجبت إيلتس أن «فرصة» لقائي بوزير الخارجية لا تناسبني، لا من حيث المضمون ولا من حيث الشكل. فما الذي يمكن مناقشته بجدية في المطار؟ إن كيسينجر قادم لزيارة الحكومة المصرية، فما علاقة السفير السوفييتي بلقائه أو توديعه. ارتبك إيلتس وأجاب قائلا: إنه هو نفسه قد أدرك مدى ما في هذا الاقتراح من فجاجة، وأنه سوف يسعي للاتصال بكيسينجر مرة أخرى والاتفاق معه على مكان ما آخر. وبعد أربع ساعات أخبرني إيلتس أن كيسينجر يقترح أن نلتقي في مقر إقامته في فندق «هيلتون» على أن يتم اللقاء عند منتصف الليل تقريبا بعد انتهاء مباحثاته مع السادات. أجبت بالموافقة فلا فرق عند الدبلوماسيين بين ساعات الليل أو النهار.
Unknown page