ثم في سنة 971ه، تولى «علي باشا» الصوفي سنتين وثلاثة أشهر، وكان «علي الصوفي» قبلا حاكما في «بغداد»، مشهورا فيها باعوجاج الأحكام والخيانة.
فلما تولى «مصر»، كثرت فيها السرقات والتعديات، حتى غصت القاهرة باللصوص، واخترقت طائفة منهم المدينة حتى الجامع الأبيض. فاضطرت الحكومة أن تقيم سورا من قنطرة الحاجب إلى هذا الجامع منعا لمثل ذلك.
وفي شوال سنة 973ه، أبدل «علي باشا الصوفي» ب «محمود باشا»، وهو آخر من تولى مصر في أيام السلطان «سليمان» فجاء الآستانة بموكب عظيم، فأهدي إليه في أثناء مروره من الإسكندرية إلى القاهرة، هدايا عظيمة. فلما وصل القاهرة، لاقاه الأمير «محمد بن عمر» متولي الصعيد على قارب فيه جميع أنواع الهدايا وخمسون ألف دينار. فأخذ الباشا الهدايا منه بخنقه حال خروجه من مجلسه، وأمر أيضا بخنق القاضي «يوسف العبادي»؛ لأنه لم يأت لملاقاته، ولم يهده شيئا. واستمر على هذه المظالم حتى قتل معظم أعيان القاهرة، فكان لا يمر إلا ومعه الشوباصي «رئيس الجلادين» فإذا أمر بأحد، وأراد قتله، أشار بيده إلى الشوباصي، فيعمد حالا إلى ذلك التعس ويقتله بأسرع من لمح البصر.
وفي 3 رجب سنة 974ه، توفي الأمير «إبراهيم» الدفتردار. وكان أميرا للحج، فاستولى «محمود باشا» على ما ترك من المال، والمماليك، والجواري وحمله ذلك مئة ألف دينار ضمها إلى المال الذي يرسل إلى الآستانة سنويا، ويعين منها هدايا ثمينة للسلطان ووزرائه، استجلابا لخواطرهم. لكنه لم ينتفع من ذلك قبل أن قتل في يوم الأربعاء غاية جمادى الأولى سنة 975ه وهو مار في موكبه الاعتيادي بين البساتين، ولم تقف الحكومة على القاتل، فاتهمت اثنين من الفلاحين وقتلتهما ظلما لأنهما وجدا بقرب مكان القتل.
وكان السلطان «سليمان» قد توفي قبل ذلك بسنة (974) وسنه 74 سنة، ومدة حكمه 48 سنة فتولى بعده ابنه «سليم شاه» (الثاني). (3) سلطنة «سليم بن سليمان»
في سنة 974-982ه أو في 1566-1574م
هو «سليم الثاني» ولد سنة 930. فلما تولى الملك كان في السابعة والأربعين من عمره. وكانت أمه روسية (صقلبية). ولم يكن أهلا للاحتفاظ بما خلفه أبوه من الفتوح ولا القيام بما أسسه من المشاريع، ولكن وزيره «محمد باشا صقللي» كان حكيما، محنكا في السياسة والحرب، فمنع الدولة من الفشل - ذلك شأن الدولة الاستبدادية - إنما تقدم بشخص ملكها وتكون كما تكون، فإذا كان حازما، عاقلا سعدت وأفلحت، فإذا خلفه ملك ضعيف، ضعفت وتقهقرت.
وفي أيامه، عقد الصلح بين «الدولة العلية» و«النمسا» 17 فبراير سنة 1568م، ومن شروطه حفظ النمسا أملاكها في المجر، وأن تدفع جزية سنوية، وتعترف بتبعية «الفلاخ» و«البغدان»، و«ترانسلفانية» للدولة العثمانية.
وفي أيامه أيضا فتحت «قبرس»، وكانت تابعة «للبندقية»، ففتحها «بيالي باشا» سنة 1571م وجرت في أيامه واقعة ليبانت البحرية، غلب فيها العثمانيون، وكانت خسائرهم فاحشة.
أما من جهة مصر، فإن السلطان «سليما» المذكور حالما بلغه موت «محمود باشا» أمر بنقل «سنان باشا» من باشوية حلب إلى باشوية مصر، وبعد وصوله إليها بتسعة أشهر، أمره بالزحف على اليمن فبرح مصر في 4 شوال سنة 976ه ومعه «حمزة بك» و«ماماي بك» وغيرهما من أمراء مصر، واستخلف على مصر «إسكندر باشا الشركسي». ومكث «سنان باشا» في تلك الحملة سنتين و4 أشهر، فتح اليمن وعاد ظافرا إلى مصر، فرأى الأحوال هادئة، والنظام مستتبا بدراية «إسكندر باشا» المذكور؛ لأنه كان حكيما، محبا للرعية، فرفع الضرائب عن الفقراء والعاجزين، والقسم الأعظم من طلبة العلم. وكان شديد التعلق بالعلم وذويه.
Unknown page