Min Shuquq Zalam
من شقوق الظلام: قصة سجين أكثر ما يؤرق فيها أنها لم تنته بعد
Genres
الأفعال المحظورة كانت تنطوي على مخاطرة كبيرة بنفسها وبعواقبها، ولبعضها قصص طريفة ومنها هذه القصة؛ ففي إحدى المرات وصل خبر إلى رجال الأمن بحدوث عملية تسخين للماء في إحدى الزنزانات ودخل رجل أمن إلى أحد الأقسام بغتة وتوجه بسرعة ومباشرة إلى الزنزانة المقصودة. سرعة الحدث لم يكن بالإمكان معها التخلص من الماء الذي بدءوا بتسخينه للتو، إلا أن السلك الكهربائي وعدة التسخين تم إخفاؤها وسط حشد السجناء بسرعة. توجه رجل الأمن إلى البرميل صارخا بوجه السجناء مستفهما: كيف حصلتم على هذا الماء الساخن؟
فأجابه أحدهم ببرود شديد: «سيدي لا يوجد عندنا ماء ساخن إنه ماء بارد.»
ارتسم الاستغراب على محيا رجل الأمن وسأله باستنكار: «وهذا الماء ماذا تسميه؟» (مشيرا إلى برميل الماء الساخن).
فتقدم السجين بثقة كاملة وهدوء تام، ووضع كفه مغترفا بيده الماء وقال له: «سيدي، هل تقصد هذا؟ إنه ماء بارد.»
أصاب الذهول رجل الأمن فدعا سجناء آخرين وقال لهم: «ما هذا؟»
كان الجواب جماعيا: «سيدي إنه ماء بارد.»
طلب منهم جميعا أن يضعوا أيديهم واحدا تلو الآخر في الماء، وكانوا يفعلون ذلك بلا أدنى تردد وبعضهم يرسم على وجهه ابتسامة عريضة. رجل الأمن ينظر إلى المشهد وهو لا يصدق ما يرى وأصبح في شك حتى من نفسه، يعاود مد يده يشعر بسخونة الماء، بينما السجناء كلهم يقسمون له وهم يدخلون أيديهم مرارا وتكرارا بأن الماء بارد ولا يبدو عليهم مظهر ألم أو حرقة ولا أدنى تردد وهم يفعلون ذلك. حتى رجل الخدمات لما علم إصرار السجناء والمكيدة التي نصبها السجناء بسرعة البديهة لرجل الأمن اضطر إلى أن يؤكد على صحة أقوالهم وقال: «سيدي، نعم إنه بالفعل ماء بارد.»
خرج رجل الأمن غير مصدق نفسه، ولا يعلم أهو في حلم أم علم، بينما انبطح السجناء بعدها على ظهورهم من الضحك في واحدة من أطرف الوقائع.
10
هناك أشياء لا يمكن التخلص منها مع انعدام النظافة؛ لأنها كانت مستوطنة في الأجساد وفي شعر الرءوس، والحل الوحيد لإبعادها كان بالتخلص من كامل الشعر. لذا كانت تجري عملية حلاقة الرأس بحفلة جماعية في فترات متباعدة وكانت أقرب إلى جز الشعر منها إلى الحلاقة. البعض من السجناء كان يفضل استخدام شفرة حلاقة لإزالة شعر الرأس تماما تخلصا من عملية تنظيفه؛ إذ إن الاستحمام كان أمرا عسيرا حصوله، وكان هو الآخر يحصل بطريقة جماعية نظرا لشحة الماء؛ لذا كان يتم تحديد يوم مخصص للاستحمام الجماعي فترفع كل البطانيات السوداء الرقيقة العسكرية المخصصة للنوم من على الأرض، وتصبح الزنزانة بعدها حماما عاما يقف السجناء فيه مجردين من كل ثوب إلا سراويل قصيرة لستر العورة، ويبدءون بوضع رغوة الصابون على كامل أجسادهم بعد أن ينالوا رشقة ماء خفيفة. خلال دقائق يجب أن ينتهي الجميع؛ إذ إن خرطوم الماء لا يسمح ببقائه في الزنزانة لأكثر من نصف ساعة وخلال هذه الفترة ينبغي ملء برميل الماء المخصص لكل الاستعمالات الأخرى من شرب وشطف أوان ولقضاء الحاجة. العملية كانت مضحكة بكل ما فيها لأنها بالواقع لا تحقق من النظافة إلا الشيء اليسير، إلا أن السجناء كانوا يعيشون فيها لحظات سعادة خاصة ويخلقون لأنفسهم جوا استثنائيا من المرح بتبادل الطرائف والمزاح. إنها فرصة استثنائية فعلا فمن أين يمكن لهم أن يتوفروا على لحظة كهذه يحظوا بها مع كل هذه الكمية الوفيرة من الماء.
Unknown page