فحدقت في طويلا كأنما تلتمس المعونة، ثم حولت النظر ثانية إلى أخيها فإذا في عينيه كلام طويل، فأطرقت وهي تقول في همس: نعم، أريد الطلاق ...!
ونظر إليها الفتى دهشا حيران، ثم نطق بالكلمة الفاصلة ...
وتحولت إلى صاحبي فأنكرته، وأقسم لكأنني لم أكن أعرفه من قبل، وما كان في بالي أنه صديقي عاطف؛ لقد انطفأ بريق عينيه كأنما ينظر من خلف زجاجة، وغاض ماء الشباب من وجهه فما تراه إلا كوردة الخريف، وقد أطلق لحيته، كأنما تركت لطمات القدر في عارضيه سواد حظه، وكانت في يده سبحة، أحسبه كان يحصي عليها همومه وأحزان نفسه، وما رأيت شيئا أبيض فيما رأيت، إلا عمامته ...!
قلنا: «عمامته ...؟ عهدنا به يلبس الطربوش ...!»
قال: نعم عمامته ... فاستأنوا ... قلت له: ما فعلت بك الأيام يا عاطف؟
قال: ذاك ما ترى! ولقد أقسمت أن أفرغ لله، فلم تعد لي في الزواج إربة، ولن تراني إلا بين المسجد والبيت حتى ألقى الله. حسبي، حسبي ما لقيت من دنياي ...!
وانكب على سبحته يتمتم والحبات تتساقط في الخيط واحدة فوق واحدة، ورأسه يهتز كأنه يقول: كذلك تتعاقب الأيام كما تتساقط الحبات حبة وراء حبة، حتى تكون النهاية!
وما وجدت عندي جوابا إلا أن أتحول عنه وأدعه حيث جلس يداعب سبحته؛ أتراه كان يذكر ربه، أم يحصي على الدنيا ذنوبها ...؟!
لقد راح المسكين يبحث عن الزوجة الغنية ليضاعف بمالها ماله، فآب فقيرا من مالها ومن ماله، وذهب يسعى لأن يضاعف بالزواج مسرات الشباب، فرده الزواج شيخا في الثلاثين!
أمنية تحققت!
Unknown page